جلال الأحمدي – إنسان خلاسي


إنه إنسان خلاسي. يعرف من أين تؤكل الكتف. انتهازي، وهو أيضا لا مبال.

حين ينسحب من مهمة لا يهمّه إطلاقاً ما تبقى من الأمور . لا إيمان عنده ولا قانون ولا التزام . لا يؤمن بالله ولا بالإنسانية ولا بأي دين . وهو أيضاً ليس بملحد، مع أن الإلحاد كان شأناَ هاماً. يذهب إلى المسجد كمن يذهب إلى السينما أو كمن يقصد نادياً . يبقى خارج كل شىء كما لو كان مشاهداً من بعيد يحضر مباراة فى كرة القدم . لا يركز أبداً ، بصعوبة يذرف قليلا من الدمع على صديق مفقود ، ولا ذرة اهتمام بمكان مقدّس ، ولا لحظة تأمل فى معتزل
بيد أنه ليس لديه سوى العزلة . ويهرب منها كمن يهرب من الطاعون . إنه في كل مكان وليس موجودا في أي مكان . لا يثور أبداً ، ولا يتمرد على إنسان : لا توبيخ ماكبيثياً ، ولا شك ديكارتياً . يبرر كل شيء ويبدو متفائلاً
يحب الفخامة أيضًا. يرتاح للحظة: هنا والآن. ليس فيلسوفاً أبداً . يتحاشى غالبا المتاعب والسأم ، ويرفع كتفيه ، بسهولة ، استهزاءً . لأنه يتصرف كماحسب دقيق ، ويبدو كل شيء ، فى نظره مبرمجاً مسبقاً في عقله ، فهو لا يعبأ بالآخرين أبداً . فيما تبقى ، ليس لديه أي خصوصية : ( يصلح لأي عمل ولا يصلح لشىء ) . بيد أنه يتمتع بثقافه ما ، يستعرض معلوماته ويدهش السّذج بخطاباته الراعدة . يعرف أن الخصوصية ، فى بلاده ، حجر عثرة في طريق الترقي الاجتماعى . شاطر مثل نساء القبيلة المسنات الماهرات ، فهو يأكل على المعالف . لكنه ليس كوسموبوليتياً : إنه إنسان اللامكان ، ( خليط من فردية بلا شخصية ، ومن شخصية خالية من أية خصوصية ) . ولأنه بلا أمان ، فهو يختبىء وراء الكتمان.
يعتنى بنفسه باستمرار، ويلبس بأناقةٍ، كمن يخرج من أفضل صالونات الموضة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى