حين يرنّ الهواء حولك من القسوة، بعد عامين يعود بيسوا – الخضر شودار

(رسالة إلى فرناندو بيسوا)

عزيزي فرناندو …

لم نلتق أبدا من قبل
ربما مرّة واحدة بالصدفة
بعد رحيلك بأعوام
كنتُ أنا في العاشرة و أنت في نهايات السّبعين
عرفتك من قبعتك و نظارات المونوكل
لكني تأكدت أكثر من تلك الرجفة الشعرية
في أهدابك
أنا من مدينة قصية
لا تذكرها كتب التاريخ
يقال لها في لغتي ” أغيلاس”
لبؤة نائمة بين جبلين في سرير الوادي
كانت أصابعي تنبض على جسد التين
و النحل البري يرعى على زهراتٍ في عباءة جدتي
لم يسافر أحد في بلدتنا أبعد من بلدتنا
أطول رحلاتنا كانت بين الينابيع و الأشجار
و بيوتنا في الأحراش حباحب توصوص بلا كهرباء
أعرف بأنك لا تحب أن يشبّهك أحد بالطبيعة
و أنني مجرد عشب مهمل على العتبات
هل ما زلت تحب شراب البراندي المنكّه بالتوت
و لا تملّ من الجلوس و المناقشات
عن الطالع و الأفلاك
لا تسألني أرجوك
عن عاداتي السّيئة
فأنا ما زلتُ أحب المطر
و أشعر دائما بأني مبللٌ من الداخل
أجل
لم أعد بصحة جيّدة
منذ أن قتل حطابون أجلاف
فرسي السوداء
تخيّلْ ، أنت الرّهيف
أن تموتَ في غابة بضربة فأس
و الهواءُ حولك يرنّ من القسوة
لم يعد حينها المربع و المستطيل مستقيمين
كما في المدرسة
بل دائريان
النبع دائري .. السرو دائري .. الثلج دائري
ثقوب ملابسي
و صرخة ذلك الرجل عاليا في الحراثة
تنهدات الحب
أصابع الأطفال في الهواء دائرية
البكاء
القبلات
و ذاك الحقير الموت
دائري أيضا
لم أترك كتابا في الشعر و لا جراحا في حجر
و لم أتماوج على قماش أزرق
الذين أحبّوني كتبوا على شاهدة قبري
“حيوان عديم الصفات”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى