عودةُ الهارب. – يانيس ريتسوس

كَانَ يَشْعرُ بِالقَلَقِ في الأيَّامِ الأَخِيَرةِ،
كَمَا لَو أنَّهُ خَفِيرٌ هَاربٌ
تركَ المدينةَ بِلا حِراسة.
لفترة طويلةٍ
ظَلَّ يَخْشَى أنْ يَكْتَشِفُوا انشقاقَهُ
وبأنَّ المدينةَ ربَّما سقَطَتْ بسببِ خَطَئهِ.
هارباً مُتوارياً في الأدغالِ لمْ يكُنْ قادِراً على رؤيةِ الجُدرانِ،
سِوى تخيِّلِ هَضَبةٍ مِنْ عَواقبَ مُخيَّفةٍ للمواطنينَ المتروكينَ بِلا حِمَايةٍ.
وقبلَ كلِّ شيءٍ لِنْفسِهِ.
فِيما بعدُ، عَلمَ أنَّ الْمَدينةَ لم تسقُطْ،
وأنَّ أَحَداً لمْ يُلاحِظْ غيابَهُ وأنَّهمْ لمْ يَبْحثُوا عَنهُ بالمرَّةِ.
ولمْ يُدرجْ اسمُهُ في قوائِمِ النَّاجينِ، أو في عِدادِ الْمَفْقُودِينَ.
سَكِينةٌ كبيرةٌ تنتشرُ حولَهُ بِلا جَدْوى.
والآنَ، هَذَا مَا عَذَّبهُ تَحْدَيداً
السكينةُ التي طَالَمَا حَلمَ بِها.
عِنْدَ الغَسقِ، أحسَّ حولَ مِأواهُ
بآلافٍ من الظلالِ التي تمرُّ مثلَ القِطَطِ الضالَّةِ بينَ الشوكِ
في ساحةِ الْملعبِ الْمَهجورةِ.
وفي خَزَانةِ ملابِسهِ
أحسَّ بالبدلاتِ المُعلَّقة المُترهِّلةِ، مثلَ الملابسِ المسلوخةِ من الجُثَثِ.
ثمَّ شدَّ أحزمةَ الرَّصاصِ على شَكْلِ صليبٍ حولَ صَدْرهِ
كَأنَّهُ يؤمَّنَ على صرَّةِ تجهيزاتِهِ المهمَّة.
ثمَّ ظَهَرَ في نُقْطَةِ الحِرَاسةِ في الوقْتِ المحَّددِ تَمامَاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى