إرنست همنغواي – قطة تحت المطر (قصة قصيرة)

قطة تحت المطر (1925)

ترجمة: موسى الحالول

كان في الفندق أمريكيان فقط. لم يكونا يعرفان أيا من الناس الذين كانا يصادفانهم على الدرج عندما يخرجان من غرفتهما أو يعودان إليها. كانت غرفتهما في الطابق الثاني وتطل على البحر. كانت تطل أيضا على الحديقة العامة والنصب الحربي.

كانت في الحديقة أشجار نخيل كبيرة ومقاعد خضراء. كانت الحديقة لا تخلو من رسام وأدواته عندما يكون الطقس جيدا. كان الفنانون يحبون أشجار النخيل وطريقة نموها، كما كانوا يحبون ألوان الفنادق البهيجة المطلة على الحدائق والبحر. كان الإيطاليون يقطعون مسافات ُ طويلة في سبيل الفرجة على النصب
الحربي. وكان النصب مصنوعا من البرونز وكان يلتمع في المطر.
كان المطر يهطل، وكانت قطرات المطر تنزلق على أشجار النخيل. تشكلت برك الماء على الدروب المرصوفة بالحصى. كان الموج يتكسر في خط طويل في المطر ثم يتراجع عن الشاطئ ليعود ثانية فيتكسر في خط طويل في المطر. خلت الساحة القريبة من النصب الحربي من السيارات. على الجهة الأخرى المقابلة للساحة وقف نادل بباب المقهى يتفرس في الساحة الخالية.
وقفت المرأة الأمريكية تتطلع من النافذة. كانت تقف تحت نافذتها مباشرة قطة منكمشة على نفسها تحت إحدى الطاولات الخضراء التي يَسح عليها ماء المطر. كانت القطة تحاول أن تتقلص كي تقي نفسها من المطر.

«سأنزل لجلب تلك الهريرة،» قالت المرأة الأمريكية.

«سأنزل أنا،» عرض عليها زوجها من سريره.

«لا، سأجلبها أنا. الهريرة المسكينة تحاول أن تقي نفسها من
البلل تحت إحدى الطاولات.»

تابع الزوج قراءته، وهو يستلقي على وسادتين عند قدم السرير.
«لا تبتلّي،» قال لها.

نزلت الزوجة الدرج فوقف صاحب الفندق وانحنى لها عندما مرت من أمام مكتبه. كان يجلس في الطرف البعيد للمكتب، وكان عجوزا وطويلا جدا.
«إنها ُتمطر،» قالت له بالإيطالية. كانت تحب صاحب الفندق.
«نعم، نعم، يا سيدتي. إنه طقس سيئ جدا.»
ظل واقفا خلف مكتبه في الطرف البعيد للغرفة المظلمة. أحبته الزوجة. أحبت جديته في تلقي الشكاوى. أحبت وقاره. أحبت اندفاعه لخدمتها. أحبت حبه لعمله. أحبت وجهه العجوز الرزين ويديه الكبيرتين.
فتحت الباب وأطلّت منه ونفسها جياشة بحبه. كان المطرٌ يهطل بغزارة أشد. كان رجل يرتدي إزارا مطاطيا يعبر الساحة الخالية نحو المقهى. لا بد أن القطة إلى يمين الباب. إذن، يمكنها أن تسير تحت الأفاريز. وبينما هي تقف في المدخل، إذ بالخادمة التي تعتني بغرفتهما تفتح مظلة وتقف وراءها.
«يجب ألا تبتلّي،» تحدثت بالإيطالية وهي تبتسم. طبعا، كان صاحب الفندق قد أرسلها.

سارت على الدرب المرصوف بالحصى، والخادمة تظللها بالمظلة، إلى أن وقفت تحت نافذة غرفتهما. وجدت الطاولة في مكانها، تبرق خضراء في المطر، لكنها لم تجد القطة. انتابتها خيبة أمل مفاجئة. تطلعت الخادمة إليها وسألتها بالإيطالية:

«هل أضعت شيئا يا سيدتي؟»

«كانت قطة هنا،» قالت الفتاة الأمريكية.

«قطة؟»

«نعم، قطة.»

«قطة، قطة تحت المطر؟» سألت الخادمة وهي تضحك.

«نعم، قطة تحت الطاولة،» قالت. «أوه، كم كنت أريدها! كنت أريد هريرة.»

عندما كانت تتحدث بالإنجليزية كان وجه الخادمة ينقبض.

«تعالي يا سيدتي،» قالت الخادمة. «يجب أن نعود إلى الداخل، وإلا فستبتلّين.»

«أنت على حق،» قالت الفتاة الأمريكية. سارتا على الدرب المرصوف بالحصى عائدتين إلى الفندق. ظلت الخادمة خارج الباب لتغلق المظلة. حين مرت الفتاة الأمريكية من أمام المكتب انحنى مدير الفندق أيضا من وراء مقعده. شعرت الفتاة بشيء صغير جدا ينقبض داخلها. جعلها مدير الفندق تشعر بحجمها الصغير جدا وبأهميتها في آن معا. انتابها شعور آني بأنها ذات أهمية فائقة.
صعدت الدرجات وفتحت باب الغرفة. كان جورج يقرأ في السرير.

«هل جلبت القطة؟» سألها وهو يضع الكتاب من يده.

«لقد اختفت.»

«تُرى، أين ذهبت؟» قال وهو يريح عينيه من القراءة.

جلست زوجته على السرير، وقالت:
«كم كنت أريدها! لا أعرف لماذا أردتها إلى هذا الحد. كنت أريد تلك الهريرة المسكينة. تُرى، أي ٍ حظ لهريرة مسكينة تحت المطر»!

استأنف جورج قراءته.
راحت وجلست أمام مرآة طاولة الزينة وهي تنظر إلى نفسها في مرآة يدوية. تفحصت صورتها الجانبية، ثم دققت فيها جانبا، جانبا. بعدئذ تفحصت رأسها من الخلف ثم رقبتها.

«ألا تعتقد أنه من الأفضل لو أطلْت شعري؟» سألت زوجها، بينما راحت تدقق في صورتها الجانبية مرة أخرى.
رفع جورج ناظريه ورأى رقبتها من الخلف، وكان شعرها مقصوصا على شاكلة الصبيان.

«أنا أحبه كما هو.»

«لقد سئمتُه. لقد سئمت كوني أبدو كأنني صبي.»

غير جورج وضعيته في السرير، وكان يلاحقها بنظراته منذ أن بدأت تتحدث، وقال:
«إنك تبدين مليحة هكذا.»

وضعت المرآة على طاولة الزينة واتجهت صوب النافذة، وراحت ترسل نظراتها نحو الخارج. كان الظلام يخيم.
«أريد أن أسحب شعري إلى الوراء وأن يكون مشدودا وسلسا، وأريد أن تكون لي عقصة كبيرة يمكنني أن أتلمسها خلف رأسي. وأريد هريرة تجلس في حضني وتهر ّ عندما أمسد لها شعرها.»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى