داليا رافيكوفيتش – الحكاية عن العربي الذي مات حرقاً

إذ شبّت النار في جسده ، لم يحدث هذا تدريجيًا

لم يكن سابقًا تيار حراره

أو سيل جارف من دخان خانق

وإحساس في غرفة أخرى يُرغب أن يُهرب إليها

شبت النار فيه حالاً

ليس لهذا تشبيه ،

قشرت ملابسه ،

شبت في لحمــه

أعصاب الجلد أول ما أصيبت

الشَّعر كان طعـــمة النيران .

صاح : يا الله ! يحرقون

وهذا كل ما قدر للدفاع عن نفسه .

اللحم كان قد التهب بين أخشاب الكوخ

التي أسست اللهيب في المرحلة الأولى .

ولم تعد فيه درايــــه .

طُعمة النيـــران في اللحم

شلت الإحساس بالمستقبل

وذكريات عائلته .

ولم يعد له ارتباط بطفولته

ولم يطلب الانتقام ، الفرج، أن يرى فجر اليوم القادم .

أراد فقط أن يتوقف احتراقـــــه

لكن جسمه – هو – أقات اللهيـــــب

، وكان هو مثل الموثَّـق والمربوط

وفي ذلك أيضًا ما فكّـــر

وظل يشتعل في قوة الجســــد

المصنوع من لحم ودهن وعروق

واشتعل برهــــه

وانطلقت من حلقه أصوات غير بشريـــه

لأن وظائف إنسانيـــة توقفت لديه ،

باستثنـــاء الألـــم الذي تسري به الأعصاب

في تيارات كهربائيــــة إلى مركز الألم والدمـــاغ .

وهذا لم يستمر أكثر من يوم واحـــد .

وحسنًا لأن روحه فاضــت في هذا اليوم

لأنه آن له أن يستريح .

*

ترجمة : د . فاروق مواسي

مصدر القصائد المختارة : بيد من حديد ( بالعبرية ) – شعر الاحتجاج بالعبرية بين 1984 – 2004

**

ترجمة أخرى

**

حين التقطت النار جسده .. لم يأتِ ذلك بالتدريج

لم تسبقه نوبةٌ حرارية..

ولا موجةُ دخانٍ خانق

أمسكته النار فورا !

ليس لهذا مثيل

قشّرَت ثيابه

تشبّثَت بلحمه..

.

أعصابُ الجلد أصيبت أولا

والشَّعر غدا طعاماً للنيران

“ربّي.. إني أحترق!!”.. قد صرخ.

هذا كل ما أمكنه أن يفعل دفاعا عن ذاته.

قد اشتعل اللحمُ مع كُتل السقيفة

تلك التي شكّلت بداية الحريق

لم يعد يملك وعيا..

والنارُ التي اقتاتت على اللحم

أخرسَت إحساسَه بالمستقبل

وبذكريات عائلته.

قد فقدَ ارتباطه بطفولته

فصرخ دون حدودٍ من عقل

.

وفقدَ ارتباطه بكل عائلته

فلم يطلب انتقاما، ولا خلاصا ، ليرى الفجر القادم

لم يطلب سوى التوقف عن الاشتعال

لكن جسده كان قوتاً للحريق..

وبدا مقيَّدا ومكبَّلا.

لكنه لم يفكر حتى في هذا !

.

عنوةً.. ازداد جسده اشتعالا..

جسده المصنوع من لحم وشحوم وعروق..

اشتعل واشتعل زمنا طويلا

فخرجت من حلقه أصواتٌ لا إنسانية

لأن مهامَّ إنسانيةً كثيرةً قد تعطلت لديه

نزعوا الآلام التي تسوقها الأعصاب

بضرباتِ كهربائيةٍ لمركز الألم في الدماغ…

لكن هذا لم يدم أكثر من يومٍ واحد

من الرائع أنّ روحه قد فارقته في ذاك اليوم

فقد آن له أن يستريح.

*

ترجمة: أنوار سرحان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى