عبدالله الجبور – إشكالية الترجمة في الثقافة العربية

■ تلعب الترجمة دورا ثقافيا تاريخيا هاما وحيويا في نقل المعرفة بين الشعوب عبر الزمن، كذلك ما حققه اكتشاف الطابعة من ثورة في الثقافة كان له بعد اقتصادي سياسي إعلامي هام جدا في أوروبا.
هنا نسلّط الضوء أكثر على دور الترجمة وأهميتها المعرفية، وهي أي الترجمة، كأداة لا تقل أهمية عن الثورة التي حققتها الطابعة، حيث أن العلوم الإنسانية المختلفة بقدر معرفي كبير جاءت إلى الشرق عبر الترجمة، كذلك وصول الدين الإسلامي والمسيحي بين الشرق والغرب كان من خلال وسيلة (الترجمة) التي لابد من التوقف قليلا على جزئية هامة وهي معالجة النصوص وأهمية ذلك خصوصا من وإلى لغة كاللغة العربية التي يتغير مفهوم الكلمة وتعبيرها بمجرد تغير مكان الكلمة في النص، وإضافة الحركات للحروف أو إزالتها، كلنا يتذكر إشكالية الترجمة في الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي حول كلمة (أراضي) و(الأراضي) والخسائر الفادحة نتيجة قلة الاهتمام بتفاصيل الترجمة وما قد تؤثر به في سياق الاتفاقيات الدولية.
سنتناول اثنين من نماذج ترجمة أحدثت وما زالت إشكالية معرفية للثقافة العربية، أيديولوجيا، إعلاميا، دينيا، على الرغم من أن النماذج كثيرة، إلا أن النماذج التالية تم اختيارها بسبب تداولها بشكل أكبر في مجتمع المثقفين، وهي:

مصطلح الأصولية (Fundamentalism)

اليوم، عندما نتهم شخصا بالتراجع الثقافي، أو التطرف الديني، نقول له: أنت شخص «أصولي»، كذلك المجموعات المتخلفة في أي فكر موجود حاليا، نطلق عليهم: «أصوليين»، بالرغم من جمالية الكلمة في جذرها الثلاثي (أصل) أي أصل الأشياء، على سبيل المثال: أصول النحو، أصول التاريخ، أصول المنطق، أصول الدين، إلا أنها تستخدم للتعبير السلبي عن الأشياء، وهنا الخلط المفاهيمي، حيث أن الأصولية بمعنى أنها تشدّد سياسي وديني وتكفيري هي مصطلح أوروبي وليس شرقيا أو عربيا. ظهرت مفردة (الأصولية – Fundamentalism) لأول مرة في المعاجم والقواميس الأوروبية في القرن السادس عشر مع المتطرّفين البروتستانت، بالنسبة للشرق فإن أكثر الأماكن استخداما لهذا المصطلح اليوم هي في الفكر الديني، حيث يطلق الباحثون – وهنا إشكالية النسخ – مصطلح «الأصولية» على الفكر الرجعي المتطرف للجماعات الدينية المسلحة – خصوصا الإسلامية منها – التي حسب تعريفهم تعود لأصول الدين في تنفيذ معتقداتهم، في الحقيقة أن هذه الجماعات تعود لأصول الدين في الاجتهادات الإنسانية ولا تعود للأصل هنا، حيث أن أصل الأشياء هو مصدرها المجرد (الثابت) وهنا أصل الفكر الديني الإسلامي هو رسالته الأصلية، وهي كلام الله للإنسان، أي القرآن الكريم، إذا كان إطلاق مصطلح «أصولي» على شخص إسلامي يعود لمصدره الأصلي وهو القرآن؛ فأنا هنا شخص أصولي، وأعتقد أني سأبقى كذلك.

مصطلح صحافة المواطن
(Citizen journalism)

يرتبط هذا المصطلح حاليا بنشاط الأشخاص الصحافيين وغير الصحافيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في المعنى (صحافة المواطن) الذي أطلقته «كليمينسيا رودريجز – Clemencia Rodriguez» وهي إعلامية أمريكية، قد يكون مناسبا في وقت ما، لمجتمع ما، لكن هل هو صالح لكل مجتمع يستخدم هذا المصطلح؟ تكمن الإجابة في الرجوع للمصطلح نفسه، حيث يتكون الجزء الأول من التعريف من (صحافة) وهي الممارسة المعروفة التي أصبح أي شخص عبر نشاطه الإعلامي عبر المنصات، يصنّف كصحفي، لأنه فعليا يقوم بهذا الدور، إلا أن الإشكالية تكمن في الجزء الثاني المترجم (المواطن)، من هو المواطن؟ هذا التعريف سيكون منصفا بتغير المكان؟ على سبيل المثال: المواطن في أمريكا هو ذاته المواطن في الأردن؟ حسنا، وماذا عن البقية؟ سأقوم بإيصال الصورة بطريقة بطريقة أكثر وضوحا عبر مثال واقعي: في الأردن (دولة نامية)، يمكن دعوة الشباب المهتم بالحصول على تدريب متخصص في صحافة المواطن – Citizen journalism، سنجد المتقدمين بالإضافة للأردني المواطن هم: لاجىء سوري، فلسطيني، عراقي، ليبي، يمني، سيقول أحدهم للمدرب: عذرا، أنا لست مواطنا، وهذا التدريب مخصص للمواطنين فقط.
الخلاصة: يثبت هذا المثال أن المصطلحات في العالم المتقدم، قد لا تكون صالحة في العالم النامي خصوصا العربي منها، الذي يشهد حركات تغيير اجتماعي جذرية نتيجة الحروب التي تعصف بالمنطقة، ويمكن إحداث تغيير بسيط على الترجمة لتصبح (الصحافة الاجتماعية – Social journalism) هنا سيكون المصطلح تعدديا ولا يقصي الآخر، ويساعد مكونات المجتمع الواحد على التفاعل فيما بينها.

النتيجة

تتغير المصطلحات بتغير الزمان والمكان، كذلك الترجمة لا يجب أن تكون حرفية، إذا ما أردنا الاستمرار في بناء معرفي منطقي، علينا تجديد الترجمة تماما كما هي عملية تجديد الفكر ودورها في التقدم والتدافع، تكمن إشكالية الترجمة في الثقافة العربية، خصوصا المستوردة منها، في أنها قد تكون منتهية الصلاحية، وتناولها بالقصد الصحي قدي يكون سلبيا للجسم الثقافي، كذلك حرفية الترجمة للمصطلحات التي يتغير مفهومها بتغير الزمان والمكان.

٭ باحث اجتماعي أردني

(القدس العربي)

زر الذهاب إلى الأعلى