قراءة في رواية وكالة عطية – خيري شلبي

” إن الخيال الخلاق نقيض الأنانية؛ إذ يسمح لنا بدخول حياة الآخرين الداخلية بدلاً من البقاء منعزلين عنها في أماكننا الخاصة.” تقول إليوت

وكالة عطية خيري شلبي قراءة في رواية وكالة عطية - خيري شلبي

وكالة عطية لا أثر لها على خارطة الوجود سوى في مخيلة كاتبها خيري شلبي الذي نقلنا بسحر اللغة لتتبع القصص والحكايات السرية في دهاليز مدينة دمنهور وتحديداً “وكالة عطية”. لوكالة شوادفي خصوصية سرية تضم حجراتها المتعددة مرتادين – بشوات ولصوص وقتلة ومهندسين وضباط شرطة وحشاشين- عالم من الحركة المستمرة التي لا تهدأ، عالم قائم بذاته، و حياة أخرى خارج الحياة.

يجلس شوادفي حامي حمى الوكالة على دكة أمام البوابة يشرب الشاي ويغيث المحتاج بنصائحه أو بقرضه المال ويحكي القصص والأساطير التي حدثت على مر تاريخ الوكالة.

الرواية جرت أحداثها على لسان راوي عليم -سأسطرد هنا في اقتباس تعريف الرواة من ايغلتون لمناسبته مع شخصية بطل رواية وكالة عطية- “الرواة واسعو المعرفة أصوات محررة من الجسد، وليسوا شخصيات تقيم في مكان معين، وفي وضعها المجهول الذي يتعذر على التحديد تتصرف تصرف عقل العمل نفسه. (….) ولا ينبغي لنا أن نفترض أنها تعبر عن أفكار المؤلف وعواطفه الحقيقية.”

فبطل الرواية اختار أن يغوص في دهاليز الوكالة بعد أن طُرد من معهد المعلمين في دمنهور إثر اعتدائه على أحد الأساتذة بالضرب.

فهو شاب مثقف و واعي، يرتاد الصالونات الثقافية في المدينة، فليس ابن المدينة هو إنما ابن عائلة محافظة تعيش في الريف وأتى منتقلا للدراسة والعمل. لكنه ومنذ اللحظة التي ألتقى فيها بشوادفي على دكة بوابة الوكالة قرر سبر أغوار سكان الوكالة وأسرارها وتاريخها.

لا يمكن أن يطلق وصف متمردين على سكان الوكالة ولا ثوار ولا “بطلجية”، إنهم أناس يعيشون سعياً لكسب لقمة العيش والرضا بالمقسوم والعودة أخر النهار والنوم في سلام يلتحفون بالسماء في فناء الوكالة كيفما أتفق لهم متوسدين أذرعهم تحت حماية شوادفي حتى شروق الشمس ثم العودة من جديد لدورة الحياة وهكذا. إنهم أناس يخضعون للقانون والسلطة ويكرهون رجال الشرطة ولا يثيرون المشاكل حتى لا يقعون تحت مجهر المخبرين.

اللغة التي اختارها خيري شلبي لسرد تلك القصص المتتالية في روايته تشعرنا بالصدق، بالمنطق واللامنطق، بالمعقول واللامعقول.

والسؤال هل في الأدب منطق؟ لا. لا يمكن أن يكون هناك منطق يفرض على أبطال القصص، فهم يتحركون كزائبق هنا وهناك ويحدثون الفوضى في عالم لا يمكن أن يكون منطقيًا بالمرة.

في نهاية المقال، أؤكد لكم: وكالة عطية، عملٌ أدبي رفيع.

قراءة لرواية وكالة عطية – خيري شلبي
بقلم: هند الحسن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى