أراكِ الآن – فيصل خرمي

أراكِ الآن، تبحثين بين الأرفف، عن رواية دسمة تسد جوعك الأدبي. تجدين كتاباً يملؤه الغبار، تمسحينه، يأتي أسمي في أعلاه، حينها يقبل وجهي عبر دهاليز الذاكرة، وتقولين في نفسك “لقد فرقتنا الأيام” وتضعينه على الرف، وتمضين، وأتلاشى من ذاكرتك مثلما يتلاشى السراب عندما نظنه حقيقة.

أراكِ الآن، تنظرين للركن المهجور من الغرفة، ذلك الركن الذي كنت آوي إليه، مثلما يأوي المؤمن إلى محرابه. لا تتغير ملامحك حزناً على فراقي، تقولين في نفسك “كان ابناً سيئاً” ربما كنت كذلك، وتهشين وجهي الذي يأتي في ذاكرتك كما يهش أحدهم الذباب.

أراك الآن، تتذكرني للمرة الأولى منذ رحيلي، عندما سألك احدهم عن ابنك، قلت له بحزنٍ مصطنع، لقد مات منتحرًا. ثم اصطنع المواساة، وتحاول بدورك أن تتحدث في أمرٍ آخر، كما لو أن سيرتي أصبحت مدعاة للضجر والفضيحة.

أراك الآن، وأنت تعد القهوة التي كنت أطلبها دائماً. يلوح في رأسك سؤال مفاده “كيف ينتحر من كان يأتي بالحياة معه في كل مرة؟” لا تجد الجواب، ولكنك تقول : هذه الحياة غريبة. ثم تنظر للمقهى وتشعر أنه ناقصاً منذ أن هجرته، تتذكرني ثم تبتسم بحزن وتقول : كان اكثر من زبون.

أراني الآن، أقف على حافة الحياة، أرى الموت بالأسفل، وأتمنى لو كان هناك من يوقفني. ألقي نظرة للسماء، لقد كان الله يراني، ورأيته لوهلة، ولكن كلانا أشاح بنظره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى