فراشَة في كتاب – محمد حربي

إهداء إلى محمد عيد إبراهيم

1

يأْخُذُ الصبيُّ طينَةً بارِدَةً من النهرِ

يَخْفِقُها قليلاً بِأَنامِلِهِ ويُشَكِّلُها بَشَراً

ثُمَّ ينْفُخُ في الطينِ فيَصيرُ نَماذِجَ

ويعودُ إلى النهرِ يُلْقى ما صَنَعَتْ يَداهُ

ويُعيدُ الطينَ إلى سيرَتِهِ الأُولَى

ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَه والوطن

والعسس المختبئون في خواصِر القصائد

مشغولون بإحصاء النّحيب والجُثث الملوّنة

2

يَجْمَعُ الطفلُ حِفْنَةً من الرملِ

ويَبْني بيتاً ويُسَمِّيهِ قصراً

ثم يأتي بِجَرَّةِ ماءٍ يُسْقِطُه على القصرِ

ويُسَمِّيهِ مطراً ثم يُزيحُ البيتَ والمطرَ

ويسمي ما يَبْقى وَطَناً

ويَخنق خارطةً حتى لا تصرخ

وتخيف فراشات تعشقُ القراءةَ

3

يجْمَعُ الطفلُ الفراشاتِ ويُحَنِّطُها لِيَصيرَ رَبَّاً

يمْنَحُ الموْتَ لِلكائناتِ في أوْراقِ الكُتُبِ

فتأبى الكتب

وتعانق ظلّ الموتى ، تمنحهم الخلود

بين السطور الباهتة

وهو في صرخة الخلق ذاهلٌ عما جرى

فقد انتشى وطار مُغمض العينين إلى حافّة النور

ثم عاد حافياً بحِفنة من رُطَب

ونبوءةٍ لا تُفصح عن سرّها للعابرين

فراشة تتهجى ظل الحروف عندما تنام الكتب

4

يجْمَعُ الطفلُ حُروفاً

يَنْفُخُ في طينَهَا حتى تَحْتَرِقَ تماماً

فتَصيرَ قصيدةً

وتنتشي الطرق برذاذِ مطرٍ

نسيَتْهُ الحرائق على كَتِف شجرةٍ وحيدةٍ

فتجتمع العناصرُ والفصولُ في يديْه العاريَتين

وهو يضع الصّوف تحت خاصرة ذاكرةٍ

يقيها بردَ أطرافِ الكلام في شتاءٍ بليد

والفراشات في دفئها تعيد صوغ الحكايات

كل ما تلمسه من سواد يصير نوراً

وهي تحترق

5

تخرجُ الفراشاتُ من تابوتِ الكتابِ

تتْرُكُ أثَراً في الوَرَقِ وفي حكايات عشاق

ترجّلوا عن قصائدهم

ليصيروا فلاّحين

وعمّال مناجم عند بحرٍ ضريرٍ

لا يقدرُ على متابعة السّهَرِ مع نجومٍ

تتلَصّص على القصائد

والفراشات مشغولةٌ بالقفز فوق نارٍ

تستَعيدُ حَريقَها مرّتين

تتركُ ظِلّها رهيناً عند ذاكرةٍ عجوز

تحرسُ باباً لا يُفْضي إلى شيء

سوى تناسل موجةٍ إثرَ موجةٍ

فيَنْسى الطفلُ حُلْمَهُ

ويعودُ شاعِراً

يلقم النار ورقاً أخضر وينتظرُ الإجابة

في جناح فراشة تفر من كتاب!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى