ألن غينسبرغ – عُواءَ

أيّ أبي هولٍ من الإسمنت والألمنيوم شظّى جماجمهَم وافترس أدمغتهم ومخيّلاتهم؟

مولوخ؛ عزلةٌ! قذارةٌ! بشاعةٌ! براميلُ قمامة ودولاراتٌ بعيدةُ المنال! أطفالٌ يزعقون تحت السلالم!

صبية ينشجون في الجيوش! شيوخٌ ينتحبون في المنتزهات!

مولوخ! مولوخ! كابوس مولوخ! مولوخ سيّد البغضاء! مولوخ الفكري! مولوخ قاضي البشر الصارم!

مولوخ السجن العصيّ على الخيال! مولوخ الحبس الشاقّ بعلامة الموت ذي العظمتين المتقاطعتين وكونغرس المآسي! مولوخ الذي مبانيه يوم الدينونة! مولوخ الحجر الضخم للحرب! مولوخ الحكومات المصعوقة!

مولوخ الذي عقله آلية خالصة! مولوخ الذي دمُهُ مالٌ جارٍ! مولوخ الذي أصابعه عشرة جيوش! مولوخ الذي صدره دينامو آكلٌ لحومِ البشر! مولوخ الذي أذنُهُ قبرٌ يعلوه الدخان!

مولوخ الذي عيونه ألف نافذة عمياء! مولوخ الذي ناطحات سحابه تنتصبُ في الشوارع المديدة كعدد لانهائي من يهوه! مولوخ الذي مصانعه تحلم وتنعق في الضباب! مولوخ الذي مداخنه وهوائياته تتوّج المدن!

مولوخ الذي ولعه نفط وحجر بلا نهاية! مولوخ الذي روحه كهرباء ومصارف! مولوخ الذي فقره شبح العبقرية! مولوخ الذي قدره سحابة من الهيدروجين لا جنس لها! مولوخ الذي اسمه العقل!

مولوخ الذي فيه أقبع وحيداً! مولوخ الذي فيه أحلم بملائكة!

مصروع في مولوخ! مصّاص الذكور في مولوخ! محروم الحبّ ومخنّث في مولوخ!

مولوخ الذي باكراً اقتحم روحي! مولوخ الذي أنا فيه وعي بلا جسد! مولوخ الذي أرعبني وصدّني عن نشوتي الطبيعية! مولوخ الذي أهجره! أصحو في مولوخ! نور يشعّ من السماء!

مولوخ! مولوخ! شقق رّبوطات! ضواحي لامرئية! كنوز هياكل عظمية! رساميل عمياء! صناعات شيطانية! أمم وهمية! مستشفيات مجانين محصّنة! أعضاء ذكوريّة من الغرانيت! قنابل مَهُولة!

قصموا ظهورهم رافعين مولوخ إلى السماء! أرصفة، أشجار، راديوات، أطنان! رافعين المدينة إلى السماء التي تدوام على وجودها وتحيطنا من كل حدب وصوب!

رؤى! تكّهنات! هلوسات! معجزات! نشوات! غاصتْ في النهر الأميركي!

أحلام! عبادات! إشراقات! ديانات! حمولة المركب كلها من القذارات الحسّاسة!

اختراقات! على طول النهر! تشقلبات وحوادث صَلْب! غرقتْ في الطوفان!

سَكَراتٌ! أعيادُ غطاس! حالاتُ يأسٍ! صرخاتٌ حيوانية وإنتحارات لعشر من السنوات! عقولٌ! غراميات جديدة! جيلٌ مجنون! انهواءً على صخور الزمن!

قهقهة مقدّسة حقيقية في النهر! رأوها برمّتها! العيون الوحشية! الصيحات المباركة! قالوا الوداع! وثبوا من السقف! إلى العزلة! ملوّحين! حاملين زهوراً! هابطين إلى النهر! فالشارع!

__________________

“عواء”، مرثاة غنائية طويلة على النمط الويتماني، تفضح بلغة عارية فجّة علل وعاهات المجتمع الأميركي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. هي صرخة غضب من فئة من الشباب الأميركي اليائس، الثائر، ضد مجتمع مدمّر وانتهازي، مهداة إلى “كارل سولومون” الرجل الذي الت

تعرّض ديوان “عواء” للمصادرة عام 1957 على يد شرطة سان فرنسيسكو، بحجة أنه كتاب مخلّ بالآداب العامة، إلا أنه تمّ إعادة توزيعه بعد صدور حكم بنقض الدعوى القضائية المقامة في حق الناشر “لورانس فرلنغيتي”.

*

ترجمة: آمال نوار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى