ابتسامة – محمد بدر

ابتسمَتُ وَسقطَتْ كافةً أسنانِي، تدحرجَ بَعضُها إلى داخلِ صفيحٍ منْ معدنٍ بِفتحاتٍ صغيرةٍ يَسدُّ المجاري، جمعَتُ ما استطعْتُ منها منْ الأرضِ وَحاولَتْ إرجاعَها إلى أماكنِها مستعيناً بِالصمغِ الذي جعلَها تَتشبثُ بِصعوبةٍ داخلَ فَمي، لمْ أُرتبْها جيداً فَقدْ أصبحَ ضرسُ العقلِ في الأمامِ، وَلكنْ لمْ يَكنْ الأمرُ ذا أهميةٍ.

ابتسمَتُ مرةً أخرى سعيداً بما حققَتُهُ لكنْ سقطَتْ مجدداً، وَهذهِ المرةَ اختفَتْ جميعُها داخلَ فتحةِ المجاري، مباشرةً دونَ ترددٍ رفعتُ صفيحةَ المعدنِ وَنزلَتُ منْ السلمِ المتسخِ، كانَتْ الرائحةُ كريهةً جدّاً.

عندما وصلْتُ القاعُ أصبحَ الظلامُ حالكاً بِاستثناءِ النورِ الخافتِ المنبعثِ منْ الفتحةِ في الأعلى، بدأْتُ أَبحثُ بِالقربِ عنْ باقي أسنانِي، وَوجدْتُ اثنينِ أوْ ثلاثةً فقطْ فَاضطررْتُ إلى التعمقِ لِلداخل أَكثر وَأَخذتُ أَتَلمس الأَرض القَذرة لَعَلي أَجِد شَيئاً لكنني فِي النِهاية يَئستُ وَعُدتُ أَدراجي.

ذَهبتُ لِلمنْزل واِسْتلقيتُ عَلَى السرِير، حلَمتُ أَنَّني تحَولتُ إِلَى ضرْس عقْل كبِير لهُ فمٍ، وفِي فمِه تَتَشَكل الأسْنان منِّي أَنا، أعْنِي جسَدي، وَعِنْدما ابْتسمتُ مِنْ منْظرها المضْحك سقَطتْ كافة أجْسادي عَلَى الأرْض وأَخَذتْ ترتجّ في مكانها كأَنها مصابة بالصرَع، لكنني لمْ أحَرِّك ساكنا لِأَلْتَقطها، كنْت أُشاهد أجْسادي دُون أدْنى ردَّة فعْل عدَى مشاعري الَّتي كانت مُضْطربة منْ هذا المشْهد الغرِيب.

اسْتمر الأمْر هكَذا حتَّى ماتت أَجْسادي ثُمَّ اسْتيقظتُ مَفْزوعاً وبَدَأت أَتَحَسس أجْزاء جسَدي مُتَفحصًا ما إذا كان باقيًا أَوْ أنَّني تحَولت إِلَى ضرْس عقْل كبِير حقّاً، وَمِنْ ثمَّ تحَسستُ أَسْناني بِطَرَف لساني وَوَجَدتُها في مكانها وكِدْتُ أَنْ أبْتَسم منْ السعادة ولكنني خفْت، مُنْذ تلْك الليْلة لمَ أبْتسم إطْلاقاً.

*نص: محمد بدر

زر الذهاب إلى الأعلى