البقاء أطول وقتٍ مع المظلات – عبد الله حمدان الناصر

الأحلام

تدركنا في وقتٍ بائتٍ
تلك الأحلام الحلوة

تلك التي تأتي خائفةً متوردة

مرتبكةً وجاهزةً للانفجار

تماماً مثل مثانة طفل

الأحلام الدبقةُ التي دائماً في غير وقتها تجيء
وتثير حنق الأب والأم
في رحلات القطارات والطائرات

الأحلام التي في جيبها عملةٌ فائرةٌ
بصورة ملكةٍ على الوجهين

الأحلام التي لا تستطيع ضبط عضلاتها العاصرة
وفي لحظةٍ يضيق بها المكان

الأحلام التي لا تستطيع التنبؤ مبكراً
بحاجتها للخروج
ولا تعرف الأمكنة المناسبة
ولا طرق الإفصاح التي لا تغضب البالغين

الأحلام التي خُلقتْ
على هيئة مثانة طفل

@@@@@@@

يستيقظون

يستيقظون
لأن الصوفا ملّتْ من دورها كصديقةٍ
وجاء دورها كي تقصّ الحكايات.

يستيقظون
لأن الستائر مبطنةٌ بدموع خياطاتٍ آسيويات
وتصدرُ عنها شهقاتٌ مفاجئةٌ كل صباح

لأن الشمس لم تعد في الأفق
بل في عيون الأموات الذين يتسللون بلهفةٍ
مع عربات الحليب
في الفجر

يستيقظون
لأنهم بلا آباء صاروا
ولا أمهات
ولا طرقاتٍ ولا أحلام

لأن الحزن يحتاجهم
ويعثر على أكتافهم
في كل مكانٍ

@@@@@@@

الورد بيد الأهل

يا لغربة الورد في نجد.
ويا لقرب الحجارة والناس.

لسنا وحدنا من يشعر بالخوف حين ندخل خلسةً دكان زهور. فحين نمسكُ التوليب في نجدٍ يشعر هو أيضاً بالخوف. وحين نشمّ الليليز ينكفئ على نفسه للحظات ثم يتقاطر بسرعةٍ ويموت.

حين يغلقون المتاجر في الليل. يعرف الورد أنه لن يزور بيتاً مشمساً، ولا قميص فتاةٍ حالمةٍ في نجد.
فعلى الأغلب لن يأخذونه في الصباح إلا إلى المستشفيات.

صحيحٌ أن الأنفاس بيد الله.
لكن الورد في نجد
بيد الأهل.

@@@@@@@

كلما

كلما رأى حبيبتهُ في المنام
طال السرير

تماماً مثلما مع كل كذبةٍ

كان أنف بينوكيو
يستطيل

@@@@@@@

البقاء في المقهى أطول وقت

قال إن المقهى يحتاجه
وقرر الجلوس معه
لا الجلوس فيه

قرر البقاء في المقهى أطول وقت ممكن

قرر البقاء وحيداً
في وحشةٍ من طابقين
وقال لنفسه: آخذُ بيد الجُبّ والثمار العمياء.

فكر في الأشياء التي لم يبلغها
فكر في فساد الذُرى ولذة التخلي عن الأمهات
فكر أن الملائكة لا تشرب القهوة
لأن القهوة تجعلها تريد.

فكّر في البقاء

البقاء في عينيّ صقرٍ كسيرٍ في سهوب المجاز
البقاء كالملاريا
في ساقيّ فرس مربوطةٍ في سفينةٍ شحنٍ في المحيط
البقاء في وتر كمنجةٍ قوطيةٍ
في المتحف البريطاني
البقاء في طلاء الأظافر الغجري
البقاء في دموع الخيول
البقاء في توبيخ الأمهات الميتات
البقاء في رغوة القمح
وحزن المهرجين والمومسات

فكّر
أن البقاء للآه.
والكمان لله.

@@@@@@@

الخطر صلاتي ومحياي

الخطر صلاتي ومحيايَ
أيتها العمة التي تجيد الدعاء بسبع لغات

في أذني نمر نيبالي يأمرني بالخطرِ
وحراسة الصبايا النائمات منذ الأزل

لقد تأخر الموت يا عمة
وبات الخطر صلاتي ومحياي

@@@@@@@

كلما أشعلتُ سيجارةً داهمتني المظلات

في مانشستر (فطر الله الأسود)…
المطر يكسر الحب والمظلات

هناك
كلما أشعلت سيجارةً أمطرتْ
وداهمتني المظلات

فكرّت في هجرة المطر الوحشي إلى المظلات
في العلاقة بين فلاشات الهواتف المحمولة ونمو الفطر في حشيش أولد ترافورد

فكرت في الفشل الدائم الذي يعتري المظلات

المظلات المفتوحة حيلةٌ لعدم الحديث مع الناس

المظلات المطوية فراديسٌ تتوجد على أيدي الناس

المظلات نصف المفتوحة تشبه السهر العتيق في عيون زوجات الجنود

المظلة فطرٌ خائفٌ ومقلوب
المظلة أخت الجنون

‏المظلة أرملة الغيم
إذ حين تتوقف غيمة عن الكلام
ينقبض صدر المظلات.

أما الريح فليست رسولاً بريئاً
‏الريح خطأ ملاك مجهول. ولا أحد يحاسب الملائكة. وهذا لا يساعد أحداً في مانشستر. فحين تنكسر مظلة بسبب الريح، ينكسر ضلعٌ لا تستطيع كل الملائكة ترميم حديثه المبتور مع الأمطار.

@@@@@@@

مساجين

حين امتلأت سجون المدينة
حبسونا في سفنٍ قديمة تالفة
وطائراتٍ أعفيتْ من الخدمة
فأصبحنا جاهزين للسفر
في أية لحظة
إلى لا أحد

@@@@@@@

الغناء

الجارة تغني
كي تجعل الأمر سهلاً على الأطباق

الأم تغني
كي تتبادل نجوم التعب مع السماء

الصديقات يغنين
كي يخفين اندلاع التجاعيد

القتلة يغنون
لينتقموا من الأديان

النادل يغني
كي تتحمل الأقداح مرارة الخلق

القطارات تغني
كي لا تمل الأرض المسافرين

عاملة الكواء تغني
كي تصبح القمصان سهلةً
ويقع الناس في الفخ

أما الطيور التي تجيء في الفجر
وقبل أن يستيقظ أحد
فتغني
لتمحو كل تلك الأخطاء

@@@@@@@

قصيدة الكلب

ليتني كلب سيدة عجوز

ليتني كلب سيدةٍ
تقول لي كل صباحٍ: صباح الخير.
تقولها لعقود.

ليتني كلب سيدةٍ عجوز
تثق بي
كما تثق ببطاقتها التقاعدية.

تأخذني للتمشية كل صباح
وتشعر بوخزاتٍ في الصدر
حين يخافني العابرون!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى