ضوضاء – عبدالله الباحوث

استيقظت من نومٍ كان الفراغ التام عنوانًا له دون منبهات أو أصوات اعتدت أن أسمعها لكي تقتحم قلعة أحلامي، نهضت من سريري دون أن تصدر النوابض أصوات دهسها مِن الجسم الإنساني، ولم تعلو أصوات ضرب الأقدام للأرضية الخشبية، كان كل شيءً في غاية الهدوء، كان الصمت سيد المشهد، دفعت باب الحمّام دون أن يصدر ذلك الصرير الذي ينخر فصوص المخ، لم يصدر الماء خريرة المعتاد، ولم تصدر فرشاة الأسنان صوتها المعتاد عند ملاقاتها لأسناني وإلقاء التحية اليومية عليها، بدأت بالشك، هل أنا أحلم؟ فبكل هذا التلوث الضوضائي الذي نعيشه يكاد يستحيل حدوث مثل هذا الشيء، فكرت لربما اُذناي تلعبان لعبتهما علي، فلقد كنت أسبح مع خيالاتي وأفكاري في الماء، فهززت رأسي يمينًا ويسارًا لكي أخرجَ ما ترسب إلى أذنيّ…لا شيء، لا يوجد أي ترسب ولا أي قطرة، هززت رأسي في ارتباك وفكرت لو أن انقطاعي عن الكافيين كان السبب الرئيسي في هذا الشيء، فذهبت إلى المطبخ ذو الرخام الأبيض المنقط بالنُقط السوداء والجِدار الصفراوي الذي كان يجعل القيء أول أفكاري عندما أراه، اقتربت مِن أحد الرفوف التي كانت تحتوي على العِلاج، القهوة المملوءة بالكافيين الذي أحتاجه في هذه اللحظة كحاجة المدخن لسيجارة عند إقلاعه عن التدخين، فتحت الرف…لا شيء، لاصوت لفتح الرف أو وجود القهوة، واحِدًا تلو الأخر بتدرجٍ كتدرج عازف البيانو عندما ينتهي مِن معزوفته كنت افتح الرفوف كالمجنون حتى فوجئت بالحقيقة المرّة، أنه لا يوجد العلاج المليء بالكافيين هنا، كدت اُجن، شتمت القهوة بكل الشتائم التي وجدتها في قاموسي، هدأت نفسي قليلًا فقررت قرارًا مثيرًا للاشمئزاز، أن أفتح التلفاز، التلفاز المليء بالترهات والسخافات والفن الهابط، التلفاز الذي لم أتكبد العناء مرةً واحدة لكي أتلاعب بجهاز الاستقبال لأجل تشغليه، ضغطت جهاز التحكم، ظهرت لي القنوات، اخترت واحدة على عَجَل، لا شيء أيضًا، سوف أجن لا يوجد أصوات على الإطلاق، قَلَبت القنوات كالذي يقلب غرفته رأسًا على عَقِب لكي يبحث عن هاتفه، لا يوجد أي صوت على الإطلاق، صرخت، عاد صوت الصرخة لي، إذن لم تكن أذناي تلعبان بعقلي، جلستُ أفكر بالأصوات مِن حولنا، أي صوت بسيط هو جزءًا من يومنا، صوت ضرب الحروف بلوحة المفاتيح لكي تطبع الكلمات والجمل على الشاشة، صوت فتح قفل الهاتف، صوت التنبيهات الذي يفرز هرمون الدوبامين لدينا، هل نستطيع العيش دون هذه الأصوات؟ وما حال الموسيقى والأغاني هل تختفي ايضًا؟، كيف كانت الأصوات في حياة الأسبقين، أصوات البشر والدواب فقط، هل كان صوت الإنسان سيد الأصوات؟، كانت كل هذه الأسئلة بدون إجابات، جلست على الوثير واستلقيت، أحلم بكل الأصوات التي فقدتها اليوم، حتى فقدت صوت أفكاري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى