عندما أرى هِرًّا تحت الشمس – فرناندو بيسوا

21663214. SY540 عندما أرى هِرًّا تحت الشمس - فرناندو بيسوا

 

     حقيرٌ مثل نهايات الحياة التي نعيشها بدون أن نرغب في مثيلاتها.

     أغلب الرجال، إنْ لم يكن جميعهم، يحيا حياةً حقيرة، حقيرة في كل أفراحها، حقيرة في كل آلامها تقريبًا، باستثناء تلك المتعلقة بالموت، حيث يتدخَّل السر والحياة ذاتها تفقد حقيقتها.

أستمع، إلى الجلبات الصاعدة/ سيالةً ومتفرقة، مصفاةً عبر تسليتي في موجاتٍ سيالة داخليًا بلا قصد ومن الخارج، كما لو أنها قدمت من عالمٍ آخر: صيحات باعةٍ يبيعون أشياء طبيعية، مثل الخضروات، أو اجتماعية، مثل ورق اليانصيب، المرور المدور للعجلات -عربات وثابة- سيارات مسموعة من خلال الحركة أكثر من الدوران؛ اهتزاز أيّما قماش في أيما نافذة؛ صفير الصبي؛ قهقهة الطابق العالي؛ أنين الترام المعدني في الشارع الآخر؛ ما ينشأ عن العرضي من خليط؛ تصعيدات، انحدارات، أشكال الصمت المتولِّدة عن المتنوع؛ أصوات النقل الرعناء؛ بضع خطوات؛ بدايات أوساط  ونهايات أصوات. وهذا كله موجود بالنسبة إلي، أنا الذي أنام مفكِّرًا فيه، مثل حجرٍ وسط العشب، ومراقبًا، كل شيءٍ من خارج أيّ مكان.

بعدئذٍ، داخل البيت بالقرب من المكان، تلتقي الجلبات بمثيلاتها: بالخطوات، الصحون، المكانس، الغناء المُوقَف – ( نصف فادو ) – العشية المتفق عليها في الشرفة؛ صوت الغضب ممّا ينقص المائدة؛ طلب السجائر التي تُركت موضوعةً فوق المائدة. هذا هو الواقع، الواقع المعنِّن الذي لا يدخل في حساب تخييلي.

الخطوات الرشيقة للفتاة، خُفّاها المزدانان بشريطٍ أحمر وأسود، هكذا أستعيد رؤيتهما، صوتها يستعير بعضًا من ذلك الشريط الأحمر والأسود، الخطوات الواثقة، الثابتة لجزمة ولد العائلة وهو يخرج مودِّعًا بصوتٍ عالٍ، صافقّا باب المنزل قاطعًا بذلك الصدى الذي يأتي حتى بعد…؛ ثمة سكونٌ يحلّ، كما لو أنَّ العالم قد انتهى في هذا الطابق الرابع العالي؛ صوت آنية الخزف في طريقها إلى التنظيف؛ جريان الماء “وإذن ألم أقل لك إن..”… ويصفر السكون من خلال النهار.

لكنني وسنان، وخلاق خيالات… وإنه لَعجيبٌ أن تفكر في أنني لست راغبًا، لو طرح عليّ السؤال في هذه اللحظة، في تفضيل حياةٍ قصيرةٍ، على هذه الدقائق البطيئة، وهذا التفكير الباطل، وهذه العاطفة، وهذا الفعل المبدّد للإرادة. وإنني لأتأمَّل تقريبًا بدون تفكير، كيف أنَّ غالبية الناس، بل مطلقهم، في أعلى الهرم كانوا، أم في أسفله، واقفين أم راجلين، يحيون بالدوار نفسه في الغايات الأخيرة، التخلي نفسه عن الأهداف المرسومة، الإحساس نفسه بالحياة. دائمًا عندما أرى هرًا تحت الشمس أذكر الإنسان. دائمًا عندما أراه نائمًا أتذكر أنَّ كل شيء منام. دائمًا عندما يحدثني أحدهم عن أحلامه، أفكِّر فيما لو لم يكن قد فعل شيئًا آخر غير الحلم. صخب الشارع يزداد، كما لو أنَّ بابًا قد فتح، فشرع في دقّ الباب.

ما حدث ليس بشيء لأنّ الباب أغلق على الفور. الخطوات تتوقف عند نهاية الممر، الصحون المأخوذة للتنظيف تُعلي من صوت الماء وآنية الخزف […].

أنهض من الكرسي بمجهود هائل، لكنني أملك انطباعًا بأنني أحمل الكرسي معي، وبأنه أثقل ممّا هو بالفعل، لأنه كرسي الذاتية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى