فتحية دبش – قراءة نقدية لأحد نصوص ناهد الشمري

النص للشاعرة ناهد الشمري/العراق

النص:

قد تسقط النخله
كانت قد لمحت انفلات روحه
حيث تحوم فوق امانيها
بدموعها كان يتكلم لا بصوته
فهو نهر يتوضأ النبض بانفاسه
ليصلي الهامها
هل لها ان تعتنقه وسام بوح
او ان تضعه بمعصم وجعها
شارة موت
ترسم غيابه على جبين لحظاتها مزمارا
يقطر حزنها من ثقوب الحانه
ترتديه خنجرا يخبر عن سر جرحها الميت
وانهما كانا في مقصلة الله
يموتان كالسر
بلا ضجيج
فلا تسأل العناقيد
كيف تستر الجوع
للكروم لغة مبتورة بالسكر
دع صمتها يتدلى مثل وجع
لاتستدرّ بوحها
قد تسقط النخلة ان فاجأها الطوفان
تدنو من جدائل الحقول
همسة … همسه
فاحترس تمرد السنابل في حقول روحها
لان بها شوقا لمناجل الضوء
يصرخ بوجه من يسترق جمر لحظاتها
فيبثه موتا…
فمها الموبوء بالصبر يغسل بالالم من يقرب السر
يمزق تمرد الشفاه وينثره في الفراغ ..قبلة …قبله

القراءة/لفتحية دبش/تونس- فرنسا

ناهد الشمري: صوت إنساني قادم على مهل… قراءة في نص شعري بلا عنوان… عندما تكتب المرأة عن الحب أو عن الفقد يتربص المتبنون لتنظيرات الأدب النسوي أو النسائي أو الأنثوي(على اختلاف المسميات و الدلالات) محاولين البحث عن ملامح الكاتبة و التنقيب عن قصة عشق فاشلة أو انكسار ما. و رغم كونهم لا يقتصرون على كتابات المرأة في هذه التصنيفات بل يضمون أيضا كتابات الرجل المتناولة لذات المواضيع، إلا أن النظرة الغالبة على هذا التصنيف هي اعتبار القلم الأنثوي قاصرا على مراودة مواضيع خارج الحميمية و خارج أسوار الرجل الحبيب العدو . النص الذي أحوم حوله هنا، نص كتبته سيدة و فِكْرته تلك الأبدية الوجدانية. و لكن هل يمكن القول بارتباط الفكرة هنا ارتباطا بنوع الكاتب؟ لا أنوي تقديم اجابة على سؤالي رغم ان ذلك وارد جدا، و لكنني اكتفي فقط بالتجسير إلى النص. تستغني الشاعرة في النص عن العنونة و عن التصنيف و رغم كون العنونة كما يراها منظروا النقد هي عتبة أولى للنص و معادل موضوعي له تفتح مغاليقه و إن قليلا إلا أن النصوص الرقمية على اختلاف نوع كاتبها تطالعنا أكثر فأكثر بدون عناوين. نصوص تقذف بمتلقيها مباشرة في يم المتن و تحثه حثا على خلق عنونته ايغالا في النص و الفكرة. و هو باعتقادي تعبير لا واع بحالة الهرولة الفكرية و الوجدانية الابداعية القائمة على أنقاض البطء و السجن الجسدي و المادي الذي ترزح تحته الأجساد اليوم. فالإنسان المعاصر و العربي خاصة يعيش هذه التناقضات بلا هوادة بل و حتى بلا وسائط للتحكم في هذا أو ذاك. مباشرة يجد القارئ نفسه متمرغا في فضاء النص الذي هو العتبة و المتن في آن. و لابد هنا من سلّم ما للغوص طالعا في المعنى أو نازلا به. تعتمد الشاعرة على لغة مشحونة بالدلالات متعددة القواميس فهي تذكرنا تارة بالمقدس(فكرة الوضوء و الصلاة..) و تارة بالوثني ( يقطر الحزن، جمر اللحظات) و بين قاموس روحي و آخر و مادي تتوالى الصور كعناقيد الحياة و الموت لتنسج هذه الحكاية الوجدانية الوجودية المتقلبة بين وجد و حقد تماما كما هي العلاقة بين الإنسان و ذاته حين يملأ قلبه الايمان المطلق بالله و بالذات و بالآخر و حين يفرغ قلبه من كل ايمان و من كل أمل في الافضل. هي العلاقة الأزلية بين الأنا و الأنت و بين ال “هي” و ال”هو” في مد و جزر لا مُنْتَهٍ، فأي (نخلة )(قد تسقط)؟ أهي النخلة المقدسة/الحياة/الروح/الحب أم هي نخلة الخطيئة حيث يصبح المدنس في ثقافات ذكورية مقدسا و تسقط المكابرة و الممانعة و يلتقي ال”هو” و ال”هي” في ف(يتوضأ النبض بأنفاسه ليصلي الهامها)؟ أم هي المقدس(الاعتناق)حين يبقى مقدسا لأنه الحب و الروح؟ غير أن الشاعرة و بحنكة جميلة تخلص بنا انتصار الحب بوصفه مقدسا و تنجو به ممن يقاتلونه باسم الله على الكره بوصفه مدنسا و طريقا للموت (بلا ضجيج)… و من هنا و بناء على هذا يمكن لنصوص مثل هذه أن تضارع الأدب الإنساني الذي يحفل بوجع الذكر و الأنثى و يرسم الطريق إلى التكامل على حساب البوتقة التي يراد اليوم أن ينحصر فيها كل أدب وجداني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى