مقتطفات من شِعر بول فاليري

(1)

… لآلاف المرات تذكرت أني شعرت بالوحدة وتمنيت بغضب نهاية الأزمان السيئة أو نهاية الفكر.

ربما لن يترك وراءه سوى ركام ناقص من المقاطع المختصرة، من الآلام المحطمة فوق هذا العالم، من السنوات المعيوشة في دقيقة، من الأبنية غير المكتملة والمجمدة، من العناء الكبير المأسور في نظرة، من الأموات.

لكن ثمة وردة لكل هذا الخراب.

(1894)

(2)

كان ينام نومة مليئة بمزيج فاتر

بمزاج متقلب، منساب

بألوان رخوة

مستمعا كما في باطن الأرض

إلى الصوت المبتعد، مخطط

الدماء المستمر المنسابة

مستمعا مثل جدار.

(1898)

(3)

البحر، بالنسبة إليّ، إحساس خياشيم ورئات، فضاء، انتصاب أمواج، شراب هوائي، عظمة، رائحة كبيرة وشائكة، شجرة معطرة وكبيرة، مشبعة بالهواء.

إنه هواء شائك.

(1898 1899)

(4)

ومن ثم… تجيء لحظة، تتأرجح فيها، ما كان أكثر يقينا حتى أسس الكائن نفسها تختلج مثل

مثل زينة لوحات سترتفع

مثل شراع يتنشق الهواء ويتحرك حول مرساته

ومن ثم المعرفة التي أصبحت مترنحة وبخور الخيلاء.

لتحللوا ذلك.

(1898 1899)

(5)

الزمن بأسره ليس سوى خطأ في الكتلة الأبدية، كما أن الكون ليس سوى فقاعة في طهارة الفضاء الشامل.

ليس الكون سوى عصفور في هذا الامتداد.

(1902)

(6)

الكون ليس سوى حركة مطوقة وداخل هذه الحركة النجوم كلها.

(19031902)

(7)

لتنظر إلى ظل البحر / إلى الماء/ التي يعذبها البحر

والذي يسحب الجبال فوق شكله النائم

تسيل الجبال دائما

داخل ظلها.

(19051904)

(8)

في الصباح، أقدم التضحيات الساذجة. للشمس، أقدم أحلام الليل. على حجر الواقع أبددها. وضوح الأجساد، قسوة ظلالها، اكتمال النظرة.

أحرق أعدائي وسأمي. أبجل الأفكار الجميلة؛ أسلخ /أغسل/ روحي من الهفوات؛ أحاكم نهار البارحة، أطالب بالقوة لأقوم بأشياء مفيدة.

(1910)

(9)

يختبئ في نوره، أنغلق في كرة من الاشراقات.

لا أعرف شيئا بعيدا عن كل ما هو واضح. تحددني هذه الشفافية وكل نظرة تصبح حجابا.

كل ما يرى حتى الخط المتوازي اللانهائي.

(1912)

(10)

سماء

أنا المكان الهندسي، النقطة

المجهولة بالطبع من كل هذه الكواكب

الجاهلة بالتأكيد. أنا وهي.

دهشة كبيرة من النجوم المتفرقة!

انفجار ثابت، وقد يتطلب التأمل ألف مليار من العصور، انفجار حقيقي، ونتائج.

كل هذا ينظر إليّ، ولا يعنيني، ينظر إليّ ولا يراني.

(1916)

(11)

الموسيقى التي في داخلي.

الموسيقى التي في الصمت، القوية،

لتأتي وتدهشني.

(1916)

(12)

كانت “إيسمين” تبدو وكأنها تعيش بمذاقها الخاص وعبر ما كان يحلو لها. وجهها وجسدها يتراءان كأنهما من خيارها ويبدو أنها اختارتهما وشكلتهما وفق قانونها الخاص، صنعتهما وأبدعتهما بنفسها.

أولتهما هذه الأهمية المعتدلة التي نوليها للأشياء الغالية الثمن، لكن التي لا تشكل مصدرنا الوحيد، والتي نستطيع أن نبادلها بشيء آخر.

(1918)

(13)

مضطجع، محطم من التعب، باحثا عن النعاس الذي كان يبحث عني أيضا. لكننا لم نجد بعضنا البعض. بيننا، بروق تتوه وتمنع الظلمات من أن تلتقي لنكون ليلا واحدا.

(1921)

(14)

لكل إنسان، غيمة تبدأ ببخار شفاف، تتكثف بسرعة أمام مرأى مستقبله.

هذه الغيمة مشتركة بين الجميع. إنها مثل كل الغيمات التي لها لون الساعة نفسها.

(1922)

(15)

روحي كنصل عار في الظلمات.

يطعن الصديق والعدو.

يقتلني كما الآخرين. ما كنته وما أستطيع أن أكونه، ضحية حد المعرفة التي من غير اعتبار.

لا تعرف حقيقتي أحدا. لا شيء مرئي. يثب السيف ويكلأ. أعمى هو البرق. لن توقف هذا..

(1923)

_________________

“قصائد ضائعة” هو عنوان الكتاب الصادر حديثا عن منشورات غاليمار ضمن سلسلتها الشهيرة “شعر”

فكرة هذا الكتاب للباحث ميشال جاريتي، الذي نقب في عشرات الأجزاء من “دفاتر” فاليري التي بدأ كتابتها ونشرها العام 1894 واستمر فيها حتى وفاته في تموز من العام 1945، عما أسماه “قصيدة النثر” عند هذا الشاعر.

حين بدأ فاليري كتابة هذه الدفاتر، لم يكن طموحه أن يجعل منها مكانا للشعر، بل على العكس من ذلك، مساحة للتأملات المجردة التي تطورت وتعددت لتقع في النهاية في ما يزيد عن 3000 صفحة.

*

ترجمة: اسكندر حبش

من هذا الكتاب، ترجمة لبعض المقاطع، وضعت أنا نفسي أرقامها، أي أن النص الأصلي لم يكن يحملها، وهي بالتأكيد، كما سيلاحظ القارئ من تواريخ السنوات، أنها لم تكن متسلسلة بهذا الشكل.

أضف القصيدة لصفحتك في الفيس بوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى