مُقتطفات من شعر سيرغي يسينين

1. لم أكن في يومٍ من الأيام في البوسفور

لم أكن في يومٍ من الأيام في البوسفور؛
فلا تسأليني عنه،
أما في عينيكِ فقد رأيتُ البحر،
ملتهباً بنيرانٍ زرقاء.
.
لم أسرْ إلى بغداد مع القافلة
ولم أنقل إليها الحريرَ والحنّاء
احني جذعكِ الجميل،
واتركيني عل ركبتيكِ أرتَح.
.
وثانيةً.. مهما رَجَوْتُكِ
فإن شأني لا يعنيكِ على الإطلاق،
وقد لا يعنيكِ أنني في روسيا البعيدة
شاعرٌ معروف وهام.
.
في روحي تتردَدُ أنغامُ الهارمونيوم
بينما أسمَعُ نباح الكلابِ، في هذهِ الليلةِ المقمرة.
لكن أخبريني أيتها الفارسيّة
ألا ترغبينَ برؤيةِ تلك البلاد الزرقاء البعيدة؟
أنا لم آتِ إلى هنا جراءَ الملل
أنتِ من دعاني أيتها المحجوبَة
وضمتني يداك التمّيتانِِ (*)
تماماً كجناحين.
.
أنا منذ زمنٍ بعيدٍ أبحثُ في مصيري عن السكينة،
رغم أنني لا ألعنُ ما مضى من حياتي،
فحدّثيني أيّ حديث ترغبين،
عن بلادك الفَرِحة.
وأخمدي في روحي كآبةَ الهارمونيوم
واسكريني بأنفاس مفاتنك الطازجة
حتى لا أتنهد، ولا أفكر، ولا أشتاق،
إلى تلك الفتاة الشمالية البعيدة
ورغمَ أنني لم أكن في البوسفور –
فسأختلقُ لكِ شيئاً عنه.
ومهما يكن فعيناكِ كالبحر،
سماويتانِ محاطتانِ بالنار
1924
____________
– صفة من طائر التم.

2. كلب كاتشالوف (*)

هاتِ يا جيم يدك عهداً على السعادة
أنا لم أرَ مثلَ هذه اليد من قبل
وتعالَ ننبحْ معاً في ضوء القمر
حيث الطبيعة هادئة وساكنة
هات يا جيم يدك عهداً على السعادة.
أرجوكَ يا عزيزي لا تلحسني بلسانك
وافهم معي أبسطَ الأمور؛
إنكَ لا تعي ما هي الحياة،
ولا تُدرك ما الذي يساويهِ أن نحيا فوق هذهِ الأرض
.
صاحبكَ طيّبٌ ومشهور
ترى الكثيرَ من الضيوف في بيته
وكل منهم يبتسمُ لك، ويرغبُ
أن يُداعبَ وبركَ الناعم.
.
أنتَ – بالنسبةِ للكلابِ – عفريتيُّ الجمال
لطيفٌ وطيب وتثقُ بنا
ودون أن تستأذن أي واحد منا
تتطفّل – كصديقٍ مخمور – لتقبّلَنَا
.
يا عزيزي جيم،كم كانَ بينَ ضيوفِكَ
من أصنافٍ وأصناف
لكن تلك الأكثر صمتاً وحزناً من الجميع
أما مَرَّت فجأةً، وعلى سبيل المُصادَفة؟
إنها ستأتي، أضمن لك هذا.
عندئذ ثَبِّتْ عينيكَ عليها عَنّي
ولأجلي الحس برقّةٍ يَدها
مُكفِّراً عن كلِ ما اقترفتُهُ من ذنوبٍ وما لم أقترفه.
1925
____________
– كاتشالوف ف.ي. (1875 – 1948) ممثّل شهير في مسرح موسكو الفني وهو صديق الشاعر. /م/
*

3. أذكرُ يا حبيبتي، أذكر

أذكرُ يا حبيبتي، أذكر
بريقَ شعرك.
ما كانَ سهلاً عَليّ
أن أضطر لفراقِك.
.
أذكر ليالي الخريف،
حفيفَ ظلالِ البتولا
رُبَما كانت نهاراتُ تلك الأيام قصيرة،
لكنَ القمرَ أضاءَ لنا طويلاً.
.
أذكرُ أنكِ قلتِ لي:
“ستعبُر السنواتُ الزرقاء الجميلة
وتنساني يا عزيزي مع امرأةٍ أخرى، إلى الأبد”
واليوم أيقظت مشاعري ثانيةً
الزيزفونةُ المزهرة؛
كم نثرتُ – يومَها – الأزهار بحنان
في خصلاتِ شعركِ الأجعد.
.
القلبُ ليسَ راغباً – بعدُ – بالانطفاء
ومن المُحزن أنه أحبّ سواك
إنه يتذكّرُكِ قصّةً حبيبةً
مع امرأةٍ أخرى.
1925
***

4. معطف سماوي اللون، عينانِ زرقاوان

لم أقل لحبيبتي شيئاً من الحقيقة.
.
سألتْ حبيبتي: “هل تعصفُ العاصفة؟
أَأُشعِلُ الموقد، وأفرشُ الفِراش؟”
.
أجبتُ حبيبتي: “الآن، ومن الأعلى
ينثر شخصٌ ما أزهاراً بيضاء
.
أشعلي الموقد، وافرشي الفِراش
أما أنا ففي قلبي – بدونك – عاصفة”.
1925
***

5. مساء أزرق، مساء مُقمر

كنتُ يوماً ما جميلاً وشاباً
طارَ كلُ شيء مُحاذياً إلى البعيد
فاراً من أيدينا، وغيرَ قابل للتكرار.
وبردَ القلبُ وكمدت العينان
أيتها السعادة الزرقاء! أيتها الليالي المُقمِرة!
1925
***

6. آخ، أيتها العاصفة، يا للشيطان ما أروعكِ

آخ، أيتها العاصفة، يا للشيطان ما أروعكِ،
تُسمِّرينَ السقفَ بمساميرك البيضاء
لكن ذلك لا يخيفني، فقدري
أنني مربوط إليكِ، بقلبي الطائش.
1925
***

7. سهوبٌ ثلجيّة، قمرٌ أبيض.
كفن يُغطي البلاد،
وأشجار البتولا بأرديتها البيضاء تبكي في الغابات.
من قُتلَ هنا؟ من مات؟
تُرى ألستُ أنا نفسي؟
1925
***

8. إلى اللقاء يا صديقي، إلى اللقاء (*)

أنتَ في القلبِ مني
إن فراقنا المقدّر
يعدُ بلقاءٍ قادم
وداعاً يا صديقي، دونَ يَدٍ، أو كلمة.
ولا تحزن، ولا تقطّب حاجبيك
فليسَ جديداً في هذهِ الحياةِ أن نموت،
وليسَ جديداً بالتأكيد أن نعيش.
1925
______________
– يقال إن هذهِ الأبيات كتبها الشاعر بدمائه قبل موته.
*

ترجمة: د. ثائر زين الدين

زر الذهاب إلى الأعلى