هستيريا الجسد والرغبة المحرمة في ( الرواية الملعونة)_كه يلان محمد

تُعدُ المُعضلات النفسية من الثيمات الأساسية التي عالجتها الأعمال الأدبية والسينمائية وحاول الدارسون في المجال النفسي الإستفادة من الآثار الأدبية في تنظيراتهم وإضاءة البقع المُظلمة في التكوين البشري لذا من الطبيعى أن تُسمى بعض الإكتشافات على مستوى التحليل النفسي بعناوين الأعمال الأدبية كما هو الحال بالنسبة لعقدة أوديب لدى فرويد أو عقدة ألكترا لدى كارل يونغ وهي حالة مُعاكسة لكراهية الإبن للأب ومحاولة إزاحته ليلعب في مكانه كل أدواره إذ يكون الإهتمام في ألكترا لمحاولات البنت لقيام بدور أمها وكلما زادت إعجاباً بالأب تعاظم نفورها من الأُم في حين تحوم أطياف أودبية في كثير من المؤلفات الروائية والمسرحيات ويمكن هنا الإشارة إلى (هامليت) أو رواية (البحار الذي لفظه البحر) للياباني يوكيو مشيما كما أن شخصية (كامل) في السراب لنجيب محفوظ تحمل جانباً أودبياً ولكن مقاربة ما أطلق عليه عقدة ألكترا لم تكن بهذه الدرجة من الإهتمام لعلَّ الشخصية الروائية الوحيدة التي تحضر عندما يدور الحديثُ عن الحب المحرم لاسيما حب البنت لوالدها أو زوج الأم هي بطلة نابوكوف لوليتا وقد يكون السبب وراء عدم الإلتفات إلى هذا الموضوع أو تلميح إليه في مشهد خاطف كما تراه في بعض الروايات العربية هو حساسيته ومبالغة بعض النُقاد في إسقاط الحدث الروائي على حياة الكاتب وإختزال مُهِمَتِهم في إلتقاط ما يربط به بين المُنجز الأدبي وصاحبه.إذ يجوز تفسير تأخير نشر رواية (الرواية الملعونة) للكاتبة السورية أمل جراح من هذه الزاوية.

قيد الكتمان

ألفت أمل جراح روايتها الوحيدة سنة 1967حسب ماتُشيرُ إلى ذلك الكاتبة زينب عساف غير أنَّها ظلت قيد الكتمان إلى أن عُثرت عليها بين أوراقها إذ فاز هذا العمل الروائي بجائزة مجلة الحسناء دون أن يشفع لها هذا التكريم بأن تظهر في العلن إلى أن ترحل صاحبتها في 2004. إن كان يبدو ظاهريا أنه ليس من صالح الرواية أن تتأخر كل هذه المدة لكن للأمر وجهاً إيجابياً إذ يولد تشوقاً لدي المتلقي لمعرفة ماتضمهُ الرواية التي لم تُنشرْ قبل رحيل مؤلفتها.الأمر الذي يُضاعفُ من عنصر الأثارة في الموضوع.ويتصاعدُ التوتر الدرامي مع مُتابعة الوقائع والأحداث والإنصات إلى هسيس الرغبات المكتومة لدى بطلة الرواية حنان التي يوكل إليها سردُ المادة من خلال ضمير المُتكلم وترتيبها وفقاً لوحدات منجمة دون وجود العناوين الفرعية كما تمكنت الكاتبة من زج بالمتلقي في دائرة الإفتراضات حول ماتشعرُ به شخصية الأب عزت فالأخير رجلُ أرمل أظهر تفوقاً كبيراً في مهنته المحاماة يعيشُ مع إبنته الوحيدة بعدما يُباغتُ مرض مميت زوجتهُ وتودي بها،ولاتفوضُ أمل جراح بطلتها بإستبطان شخصية عزت إنما تقدمُ على لسانها صفاته الخارجية التي تكسبهُ قدراً كبيراً من الوسامة والجاذبية وذلك ما أهله لظفر بقلب طالبة سحرت الشباب في الجامعة عندما كان يدرسُ في المرحلة الأخيرة في كلية الحقوق.تفتح الرواية بعبارات وجمل تعبرُ عن حالة تعلق حنان بإبيها كما ترتبطُ إزدياد هذه الرغبة بما يتغيرُ في الجسد ويكرسُ خصوصيته الجنوسية إذ تضعك الساردة في مُناخ البيت الذي صار خالياً إلا من الإثنين بعد تزوج أخويها وسفرهما إلى خارج دمشق وذلك ماتصبوُ إليه حنان أن لايشاركَ أحد حياتها مع عزت وتُحاول تعتيم على كل مايُذكرُه بزوجته الراحلة لذا تحرص على مُغادرة أم حسن للبيت كما أعادت ترتيب الكتب والأشياء كأنَّ بذلك أرادت رسم خريطة جديدة للمنزل لاتحملُ لمسات الأم والغرض من كل هذا هو بغرض إسدال الستار على زمن معبق بأنفاس الأم.تعتمدُ الكاتبةُ على تقنية إسترسال في المونولوج والحوار لتبيان المستوى النفسي لدي الشخصيتين لاسيما ممايعتمل في أعماق البطلة من حالة الإصطراع الداخلي إذ يتضح من الحوار المُتبادل بين الأب وإبنته الجامعية وجود مخاوف لدى الأول ممايسميه الذئاب المُفترسة للبراءة.كما تستشفُ قلقه من فوز أحد الشبان بحنان ويبقى وحيداً بالمُقابل تتوارد الكلمات والعبارات تنمُ عن حالة إعجاب الإبنة بإبيها إذ تعتقدُ بأنَّ لا أحد يشبهه لا الزميل الذي يتودد إليها ولا أستاذ الأدب العربي ولا محاضر الإجتماعيات ولاينتهي الأمر بإبداء الإعجاب إنما يتمركزُ السرد المطبوع بالذاتية حولَ حالة فوران الجسد الراغب في الإنصهار داخل ماهو محرمُ عليه وما الحرام برأي البطلة إلا الشقاءُ بينما الحلال هو أن يكون الإنسان سعيداً.لذا فهي تتمسك بحبها دون الإعلان عنها تفادياً لوصمة الشاذة والمجنونة.

إلغاء الأم
لايكتمل إنتصار حنان على إمها وإلغائها تماما إلا بعد إقصاء صورتها وإبدالها بأخرى تجمعها بالأب ومن ثُمَّ تكشفُ حركة السرد عن مزاحمة الإبنة لإمها ومحاولاتها لكسب شخصية الأب منذ الطفولة كما ترمي من خلال تصرفاتها وكتابة الشعر وقراءتها إبلاغ رجلها المثالي بأنها منذورة له ولاتتخذُ غيرَهُ حبيباً ومع مضي الأحداث يشتدُ الصراع النفسي لدى حنان خصوصاً بعدما يصبحها الأب لمشاهدة فيلم (رجل وإمرأة) وهو إمتداد لثيمة الرواية والإسراف فـي شـرب النبيـذ تعلـوُ أصوات الرغبة ونـداءات الجسد أكثـر وتصبحُ الألفـاظ المعبرة عن تلـك الحالـة محملةً بدلالات إيروتيكية صارخة،وشأنَّ مُعظم الأعمال التي تتناول موضوعة الحب بموازاة الغيرة والموت فإنَّ (أمل جرّاح) نجحت في إثـراء نصهـا عبـر الإيمـاء إلى مايرافق الإبنة مـن الخـوف في فقدان الأب والغيـرة من صديقتهـا هيفاء التى تتوددُ إليه ويحـومُ الموتُ في تلافيف السرد مع إكتشاف ماتعانيه البطلة من مرض القلب الذي يهدد حياتها الغضة مايستدعي إجراء عملية جراحيـة لها خـارج البلـد يُذكـر أن الكاتبة برعت فـي رصـد هـذه المشاهـد المُفعمـة بالترقـب والتوسـل إلـى القـدر وإظهـار القلـق والمخـاوف التـي رزحت بالأب وهـو يــرى إبنتـه علـى عتبة المجهول وذلك يبعد العمل من روطة أُحادية الثيمة والتنميط ويشرعُ أفـق النص لتأويـلات متعـددة وكمـا أشرنـا أعلاه لايلتقطُ القاريء مايوحي بخروج مشاعـر عزت عن طبيعتها الأبوية سوى ما تتوهمه حنان.مايجدر بالذكر أن الشاعرة أمل جراح وفقت في تنظيم روايتهـا الوحيـدة وفقـاً لبرنامـج سـردي متماسك يخدمهُ التنويع في التقنيات من الإسترجاع، والحـوار ،والمونولـوج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى