يخلون سرير محبتهم – عبد الله السفر

 

دَفَعَ بدمعتِهِ الرسولُ، وهامَ طَيَّ رسالةٍ لم يحملْهَا. أُخِذَ بالتهدّجِ، نالَهُ يأسُ الكائنِ، فراغُ الأملِ من صاحبِه، نفاذُ السكينِ، عُريُ الوردةِ من شوكتِها. وهذا الليلُ الذي لا يحسنُ مدافعتَه، حين الأصدقاءُ بمناكبَ مذعورةٍ يُخْلُونَ سريرَ محبّتِهم ويتهافتون إلى مراكبَ مخلّعةٍ مشقوقةِ الأشرعة. يعرفون أنها ليست مأوى في اليابسة، ولا تصمدُ لماء.


يغادرون فحسب لأنّ الرسولَ فاضتْ به الدمعةُ، وانجرحتْ منه الحنجرةُ؛ فطاشتْ سهامٌ خفيّةٌ لا ترأفُ. سُمُّها ضارٍ يبدّدُ الروحَ، ينثرُ الجمرَ في اللحمِ. يتسمَّى الجرحُ باسمِه. تنكتبُ الخيانةُ. تَطْلُعُ عروقُها السوداء. وفي الهشيمِ يبينُ رداءٌ. بقيّةٌ من رداء لا تسترُ جثّةً شاختْ واسترسلتْ في العتمةِ، يرجّفُها بَرْدُ العقوقِ، نظرةٌ مقصوفةٌ لطائرٍ فُركتْ أجنحتُهُ.
ريشٌ في الهواء. يثقلُ. يحطُّ. يأتيهِ الدمعُ من كلِّ مكان. يثقلُ. يحطُّ. يزفِرُ. يفرفرُ.


لمعتْ الذكرى وانسابَ الحنينُ عن أخلاّءَ متروكين.. مقذوفين بغيرِ يدٍ تهمسُ بالوداع.
ظهورٌ تراصّتْ، بطّطَتْها القسوةُ. شروخٌ تطلُّ على النسيانِ. هاويةٌ موَّهَتْها الخديعةُ. مكيدةٌ تتربّصُ. صخرةٌ نهضتْ من أوّلِ الليلِ تفحصُ وليمتَها؛ تتبعُ خيطَ الدمعِ، شاغرَ الخطى. فمُ الكهفِ يقترب. ينصبُ اليأسُ مشنقتَه للعابرِ بدمعتِه، للزائلِ بلا أثرٍ.. بلا حلمٍ يهوّنُ.. بلا نطفةٍ من ضوءٍ يريقُه. الصخرةُ تتعقّبُه، تلزِمُه مضيقَ الألم. وفي لحظة الصَّعْقِ الفاجرةِ يتلوّى مبهوتاً. أظلمتْ عيناهُ. تشعّثتْ أشلاؤُه . ضَاءتْ دمعتُهُ سريراً، وفي الأفقِ لاحتْ جنازةُ الغريب.

 

الظهران ـ 13 فبراير 2003

 

 


*نص: عبد الله السفر

زر الذهاب إلى الأعلى