يدها التي… في مكمن ضعف – عماد فؤاد

لمْ تكن عَرْجاء
كانتْ كُتلةَ عِظامٍ
جُمِّعتْ إلى بعْضها البعض
بعفويةِ صانعٍ مبتدئ
الحَدْبَةُ الخفيفة خلف كِتْفها الأيمن
سوَّتْ بُروز نهديها الملفوفين
بصدرها المَلْمُوم
وقِصر إحدى ساقيها خمسة سنتيمترات
جعلها تمشي بانحناءةٍ مفضوحةٍ؛
كان على يدها اليسرى
أن تتَّكئ بقوةٍ
إلى رُكْبةِ ساقها الشِّمال
فينحني جذعُها كلَّما مشتْ
كهودجٍ يرفُّ بثقلٍ
على ظَهْر جَمَلٍ هَدَّه العطش

سبعة وعشرون عاماً
ولم ترعشها النَّشوة
بين ذراعين حقيقيين
لم يختلط عرق جسمها البضِّ
بماءِ سواها

سبعة وعشرون
لكنها شبقةٌ بما يكفي
لتخيّل طعمه في فمها
هي التَّي
سرقتْه نتفاً في زحام المواصلات العامة
تلصَّصتْ كمراهقةٍ
على شبابيك جيرانها المتزوجين حديثاً
أرهفتْ سمْعَها بحرصٍ
لطقطقة عِظام زوجات أشقائِها كلَّ خميسٍ
في الغرف المجاورة
وتركتْ نفسها هامدةً كجثةٍ
تحت يد جارها الذي هَرَسَ لحمها على بسطة السُّلمِ
حين انقطع النُّور
كانت صبورةً
الصَّبر الذي علَّمها تحمُّل هشاشة عظامها
عمراً بأكملهِ
وقسوة زوجات أشقائها
حين ينادونها بكلمة “عانسٍ”
كلما تشاجرن معها

المغفَّلة
لم تُبدِ نظرة تشجيعٍ
للجِلفِ الذي ألصق جذعَه بكتفها في الأتوبيس
كذبَّتْ ظنونها في البداية
ثمَّ أغمضتْ جفنيها على كحلهما العربيِّ بقوةٍ
فيما سنَّتاها الأماميتان
يضغطان بنشوةٍ على شفتها السُفْلى
حين أحسَّتْ بانتصابه يتمسَّح كطفلٍ
بنهدها المحموم
شعُرتْ به بارزاً تحت بنطاله الرماديِّ
وصلباً كعمودِ خيمةٍ
فحرَّكت كتفها قليلاً
كي تحسَّ نبضه كاملاً
بين نهديها
في جلستها الضئيلة أمام خاصرته
جرحتْها عيون المتطفلين وهْي تمسحها بنظرة لومٍ
فرمتْ عينيها خارج النَّافذة المحطَّمة الزُّجاج
وهْي تدسُّ أصابعَها المرتعشة بين فخذيها
حيث بللٌ مفاجئٌ ضربها كزلزلةٍ
في مَكْمَنِ ضعْف

مغفَّلة
لو انتظرتْ قليلاً
لشعرت بقذفه القويِّ فوق صدرها المرفوع
لكنَّها سحبتْ كِتْفيها إلى مسند كرسيَّها
حين أحسَّتْ بروحها تنساب كقبضةٍ من مياهٍ
بين وركيها
وتشنجتْ أصابعُها الخمس
على حافة الإفريز

كلَّ ليلةٍ
تدخل غرفتها المطلة على الشَّارع
وتكمن كقطةٍ هاربةٍ تحت غطائها الثَّقيل
تكتم أنفاسها المحمومة
وهْي ترفع قميصها الأسود الحريريِّ
إلى ما فوق حلْمتيها الصَّلبتين
قميصها الأسود الشَّفاف
غافلتْ أمَّها ذات ليلةٍ
وسلبتْهُ خِلْسةً من جهاز عرسها
بيدٍ مرتجفةٍ ومعروقةٍ
ترفع حرير قميصها
حتَّى تشمَّ رائحة الصَّابون المعطر
وعبق حبات النفتالين
وتنظر إلى وحشها السَّاخن
بعتاب أمٍّ
تقرِّب كفَّها منه
بخوفٍ في البداية
كطفلةٍ تجرِّب أثر شعلة شمعةٍ
على يدها الصَّغيرة
ثم تدعكه ببطء وخفَّةٍ
فتهتز عروش آلهة وأرباب
تفترض وجودهم
في الأعالي

لم تكن عَرْجاء
كانت كتلة عِظامٍ
جُمِّعتْ إلى بعضها البعضِ
بعفوية صانعٍ مبتدئٍ
مفتوحة السَّاقين فوق فراشها الكبير
كأنَّما أعضاؤها مفكوكةٌ
كنجمةٍ معلقةٍ في ليلٍ بلا انتهاء
أخفُّ من دعاءٍ على يدين مفتوحتين
وأثقل من وجعٍ على جسدين يلتقيان
علَّمتها الوحدةُ
والأيام التي تخطو فوق ترابها بلا أثرٍ
كيف تربِّي وجعها السَّاكن بين وركيها
كذنْبٍ لا يغفره الله
كيف تكوِّره كحجرٍ
وتقذفه بعيداً
بكفٍّ واحدةٍ أو أقل
عرفتْ كيف تروضه ككلبٍ
وتجعله خاتماً
في إصبعها الصغير
فقط
إصبعان يفتحان شفتيه برفقٍ
وثالث يحكُّ بظرها المنتصب
بلا رحمةٍ
البنت التي تبكي بنهنهةٍ
كلما لسعتها المتعة بين وركيها
تغلق عينيها على وجعٍ
وتفتحهما على أوجهٍ مضبَّبةٍ
تجئ من عدمٍ
وإلى عدمٍ تروحُ
أوجهٍ
يظلُّ أصحابها
مصلوبين بين ذراعيها
وهم يحكُّون ألسنتهم السَّاخنة
في عضوها المفتوح

يا الله
ثلاث أصابع فقط
وتشعر بجسدٍ خشنٍ يهتزُّ معها
جسدٍ جميل
يعرف كيف يغطي كلَّ جزءٍ من جسمها الملفوف
بفُجْرٍ محبَّبٍ
تهتزُّ
تترجرج انحناءاتها في فرح موجعٍ
وصدرها البريُّ يعلو ويهبط
كأرجوحةٍ
فيما مِلْح دموعها يلسع جفنيها المحتقنين
وثمَّة إصبعٌ
إصبعٌ وحيدٌ
تقشَّر لون طلاء ظفره من غَسْلِ المواعين
يندسُّ إلى أقصى نقطةٍ
ببطءٍ رحيمٍ
بين وركيها.

النَّص من مجموعة “حرير” للشاعر عماد فؤاد

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى