أن يمسَّني غبار الحياة – هدى عبد السلام

أعشق جداً إطالة النَّظَر إلَى تَفَاصِيل جَسَدِي وَهُو مُبَلَّل أمام الْمِرآة . . 

تَسَاقُط قَطَرَات الْمَاء مِنِّي يُلْهِمَنِي أحياناً، كما إنني أُحب بَعْضُ تفاصيلي ومنحنياتي وَلَوْن بَشَرَتَي، وأتعجب من نَفسِي حِينَ أَسْمَح لهذا الْكُمّ الْهَائِل من الْبُؤْسِ بِأَن يتملكني ويصْنَع هَالَة سَلْبِيَّة مِن حَوْلِي يَصعُب اخْتِرَاقُهَا، فِي حِينِ إننِي يُمْكِنَنِي فعل شيئٍ آخَر يُحَرِّرْنِي من هذا ولَوْ لِبَعض الْوَقْت..

مَاذَا إن فَكَّرتُ فِي بُؤْسِي وشقائي بَينَمَا يَتَمَايَل جَسَدِي ذُو التَّفَاصِيل اللَّطِيفَة عَلَى أَنْغَام الْمُوسِيقَى وَكَأَنَّه يَنْفُضُ عَنِّي غُبَارٌ الحُزنِ واليأسِ !

مَاذَا إنْ بَكَيْت مِنْ شِدَّةِ اِنْدِماج رُوحِي مَع حَرَكَات جَسَدِي معلنة بُلُوغِهَا ذُرْوَة الِامْتِزَاج بدلاً مِنْ الْبُكَاءِ وَحْدِي فِي غُرْفَةٍ مُظْلِمَةٍ كمدًا وَغَمًّا! 

الْحياة ليست وردِيَّةً، والوَاقِعُ في أَفْضَلِ حَالَاتِه يَعُجّ بِالنَّكَد، لا أَظُنُّ إنَّني قَادرةً على تَغيِيرِ هذا الْوَاقِعِ السَّخِيف، لا أَعتَقِدُ إنَّني أَمَلِكَ حَتَّى تَغيِير بقعتي أَنا، وَلَكِن يُمكِنَنِي سرِقَة بَعْضُ الْوَقْتِ الَّذِي يُشعرني بِأَنَّنِي مَازِلْت على قَيدِ الْحياة . 

أُحِبُّ أَنْ أتفقد مَلامِح وَجهِي الَّذِي أَصْبَحَ شاحباً يَبْدُو عَلَيْهِ أَثَر عاداتي السيئَة، وأُمرر أَصَابِعِي بَين خُصلَات شعرِي الَّذِي يتساقَطُ كما تَتَسَاقَط أَوْرَاقِ الشَّجَرِ فِي فَصلِ الخَريفِ. 

ومع ذلِكَ أَحَبُّ أَنْ ألتَقَط صوراً لتعبيرات هَذَا الْوَجْهِ من حِينِ لآخَر، لأتأمل حَقِيقَة أنَّنِي ذَات الْأَلْف نَظَرة والْأَلِف وِجهِةِ كما أَخْبرنِي صَدِيقِي مُنْذ فَترة. 

كُل شَيِّ لَهُ عَلاَقَةٌ بالفن يَبْعَثُ في رُوحِي الطُّمَأْنِينَة والارتياح، وَيَأْخُذُنِي فِي رحلِة حَوْل الْعَالِم أعود مِنْهَا مُسْتَقِرَّةً سَعِيدَة هَادِئة؛ كمُشاهدة فِيلْم أَوْ سَمَاعِ مُوسِيقَى، أَو تَتَبُع تَفَاصِيل لَوْحَات مَرْسومَةٌ، قِرَاءَة كِتَاب شَيِّق وَالتَّدْقِيق فِيمَا يَحْمِلُهُ بين السُّطُورِ مِنْ مَعَانٍ، الرَّقْص عَلَى نَغَمَاتٌ الْمُوسِيقَى الشَّرقِيَّة . . 

كل هذا يَجْعَلَنِي أَرَى أَن هناك حياة أستحقُ أن أعيشها، وهناك عوالم أخرى لم أرها بعد.

أَنَا مُتَشككة،

أَجِد أَنَّهُ مِنْ الْأَفْضَلِ إطلَاق الْعَنان للفرضيات، هُنَاك حَقِيقَة وحيدة أُومِن بِها وهي إنَّنِي بِالتَّأْكِيد يوماً ما ستنتهي حياتي ورُبما سيحْدُث هذا قريباً ولذاك الشُّعور مُتْعَتُه الْخَاصَّة ايضاً، إدْرَاك حَقِيقَةِ أَنَّهُ لَيس هُنَاكَ وقْت يحفز بداخلي طاقَة تَجْعَلْنِي أُرِيدُ أَنْ أَعِيش وأتخطى سريعاً..

عِنْدَمَا تستنفذ الْحياة طاقتي وأجدٌ نَفْسِي على حَافَّةِ الانْهِيَار، كثيراً ما أسْتَسْلم لهذا ولكِنِّي أتعافى بِمِثْلِ هذه الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَرَاهَا الْبَعْض مُجَرَّد مُسكنات لَا قِيمَةَ لَهَا.

نعم، الْمُسكن ليس علاجًا، ولكِنهُ رُبما يَنتشلني منْ أَلَمٍ فَظيع يعتصرني، وَيُعْطِي لِي فُرصة أَن ألتقط أنفاسي لأستكمل الْعِلَاج.

ثمة حَيَاة يُمْكِنُك صُنَعَهَا بِدَاخِل الْحَيَاةِ فَلَا تترد..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى