للعدوِّ الذي يَشربُ الشَّاي في كوخِنا
فَرسٌ في الدُّخانِ.وبنْتٌ لها
حاجبانِ كَثيفانِ.عَينانِ بنِّيتان.وشَعرٌ
طَويلٌ كَليلِ الأغاني عَلى الكَتفينِ.وصُورَتها
لا تُفارقهُ كُلَّما جَاءنا يَطلبُ الشَّاي.لَكنَّه
لا يحدثُنا عَن مَشاغلها في المساء، وعَن
فَرسٍ تَركتهُ الأغَاني عَلى قِمَّة التلِّ…/
…في كُوخنا يَستريحُ العدوُّ من البُندقية،
يَتركها فَوق كُرسيِّ جدِّي.ويَأكل مِن خُبزنا
مِثلما يفعل الضَّيفُ.يغفو قليلاً عَلى
مِقعد الخيزرانِ.ويحنو على فَروِ
قطَّتنا.ويقول لنا دائماً:
لا تَلوموا الضحيَّة!
نَسأله: مَن هيَ؟
فيقول: دمٌ لا يجفِّفه الليلُ…/
… تلمَع أزرارُ سُترتهِ عِندما يَبتعدْ
عِمْ مَساءً! وسلِّم على بِئرنا
وعلى جهة التين.وامْش الهُوينى على
ظلِّنا في حُقول الشَّعير.وسلِّم على سَروِنا
في الأعالي. ولا تنسَ بوَّابة البيتِ مفتوحةً
في الليالي. ولا تَنْسَ خوفَ
الحصان منَ الطَّائرات،
وسلِّم علينا، هُناك، إذا اتَّسع الوقتُ…/
هذا الكَلامُ الذي كَان في ودِّنا
أن نقولَ على الباب…يسمعه جيَّداً
جيَّداً، ويخبِّئه في السُّعال السَّريع
ويلقي بهِ جانباً.
فلماذا يَزور الضَّحيةَ كلَّ مساءٍ؟
ويحفظ أمثالنا مِثْلنا،
ويعيد أناشيدنا ذاتها،
عن مواعيدنا ذاتها في المكان المقدَّس؟
لولا المسدسُ
لاختلط النايُ في النايِ…/
…لن تنتهي الحربُ ما دامتِ الأرض
فينا تدورُ على نفسها!
فلنكن طيِّبين إذاً. كان يسألنا
أن نكون هنا طيِّبين. ويقرأ شعراً
لطيَّار((ييتس)): أنا لا أحبُّ الذينَ
أدافعُ عنهم، كما أنني لا أُعادي
الذينَ أحاربهم…
ثم يخرج من كوخنا الخشبيِّ،
ويمشي ثمانينَ متراً إلى
بيتنا الحجريِّ هناك على طرفِ السَّهل…/
سلِّم على بَيتنا يا غَريب.
فَناجين ُ
قَهوتِنا لا تزال على حالها. هل تشمُّ
أَصابعنا فوقها؟ هل تقول لبنتكَ ذات
الجديلةِ والحاجبين الكثيفين إنَّ لها
صَاحباً غائباً،
يتمنَّى زيارتها، لا لشيءٍ…
ولكن ليدخلَ مرآتها ويرى سرَّه:
كيف كانت تتابع من بعدهِ عمره
بدلاً منه؟ سلِّم عليها
إذا اتَّسع الوقت…/
هذا الكلام الذي كانَ في وِدِّنا أن نقولَ له، كان يسمعهُ جيداً
جيداً،
ويخبِّئه في سُعالٍ سريعٍ،
ويُلقي به جانباً، ثم تلمعُ
أزرار سترتهِ عندما يبتعدْ…
محمود درويش