نوال السعداوي: النسوية والألم، الرواية والغرب

كتبت: نوال العلي

ثلاثة أشياء خطرت لي عن نوال السعداوي

النسوية والألم

آتي إلى النظرية من شدة الألم، الحقيقة هذا تحريف بسيط لما قالته بيل هوكس في مقالتها البديعة Theory as Liberatory Practice،  تتناول في جزء منه الالتباس الذي يصيبنا نحن النساء، حين نشعر أننا نستقبل شكلاً غير مفهوم من الكراهية، تبدأ من العائلة ولا تنتهي في المؤسسات التي نحاول أن ننتمي إليها خارج البيت، ومنا من تهرب من الألم إلى الفهم أو محاولة تفكيك الألم من خلال النظرية وهؤلاء هن النسويات. يبدأ كتاب “الوجه العاري للمرأة العربية” بصفحات قليلة عن تجربة الختان التي عاشتها نوال وأختها، هناك فقرات تقارن ختان الفتيات في مصر وختان الفتيات في السودان، حين قرأت مقطع عن إعادة خياطة المرأة التي يموت عنها زوجها أذكر أنني أصبت بذلك الألم الذي نتقيأ من شدته، ولأن هذا من الكتب المبكرة لنوال (1977) فكان من أكثرها قربا مني، فقد كنت أشعر أن من تكتب هي امرأة تألمت في جسدها وبسببه مثلما تألمنا، ولم أكن أعرف وقتها معنى أن تكون نسوية، ثم قررت مع نفسي أن النسوية فكر منبعه الألم؛ ألم أن تفسر كيف أمكن لهذا العالم أن يكرهك هكذا، وكان هذا تفسيرا ساذجا لمراهقة تبتلع الأفكار من دون أن تفهمها تماما.

نوال كروائية

أنا لا أستطيع اليوم أن أكمل رواية لنوال السعداوي، لكني قرأت “امرأة عند نقطة الصفر” بكثير من الحماس، الذي لن أشعر به اليوم لو قرأتها رغم أنها في رأيي أفضل رواية لنوال، ليس في هذا تنكرا مني لذاتي التي قرأت في تلك اللحظة، فلا بد أن جزء من خياطة عقلي وروحي فيه غرزة أو اثنيتن من تلك اللحظة التي عاشتها تلك الذات المبكرة. لكن حدث وأن قرأت رواية لسيمون دي بوفورا ووجدت أنها روائية ضعيفة جدا إذا قارناها بالروائيين والروائيات في جيلها، وفكرت وقتها في نوال وخطر لي حاجة هذه النساء للوصول والعبور،  شيء من قبيل الـ accessibility، وهذا أهم عند نوال من سيمون، كانت نوال تريد لأدبها أن يكون مقروءاً ومفهوما للجميع أكثر من أن يكون مهما للنخبويين، كان من الضروري أن تضع أفكارها في روايات، وأظن بهذا المعنى كانت هناك حاجة إلى كتابة الأدب وأن يكون هذا الأدب بلغة بسيطة وأن يكون هذا الأدب حكاية مؤثرة وإلا كيف كان بإمكاني كمراهقة أن أقرأ وأن أتأثر بفردوس وهي تتكلم عن الرغبة التي أذكر أنها وصفتها كما لو كانت شيئاً غريباً يحدث لها في مكان ما بعيد في جسدها، أو كما لو أنه يحدث خارج جسدها، أو في جزء انفصل عنه من زمان.

نوال والغرب

حين بدأت أختلط بأوساط الكاتبات في الأردن سمعت إحداهن تشتم نوال وتقول “إنها تغازل الغرب” ومثل الببغاء بدأت أردد تغازل الغرب تغازل الغرب، ثم أردت أن أعرف معنى العبارة التي لم تكن مفهومة بالنسبة لي. ترجمت نوال أول مرة إلى الإنكليزية عام 1980، (وهي أكثر من ترجم من الكتّاب والكاتبات العرب) حيث نقل كتابها “الوجه العاري للمرأة العربية” بعنوان “الوجه المخفي لحواء”، نعم استبدل المترجم كلمة العاري بالمخفي، يقول لنا هذا التغيير في الترجمة الكثير عن كيف أراد الناشر الغربي أن يقابل قارئه كتابات نوال. والحقيقة أن نوال قاومت، ولم تقبل الشرط الغربي بسهولة. فقصة ترجمة هذا الكتاب مثيرة، (تسردها أمل عميرة في دراسة مهمة حول ترجمة نوال واستقبالها في أميركا وأوروبا) حيث كتبت نوال مقدمة لترجمة الكتاب مخصصة وموجهة للقارئ الغربي، دافعت فيها عن الثقافة الإسلامية والثورة الإيرانية وهاجمت الإمبريالية والعالم الأول والنسوية الغربية وقالت إنها نسوية جاهلة بمشاكل النساء في العالم الثالث ولا تربط بين قضاياهن والتاريخ الاستعماري وقالت إن كل النساء مختونات “سيكولوجيا وتربويا” في الشرق والغرب…إلخ. المفارقة أن غالبية المراجعات الغربية لكتاب نوال أصبحت نقدا وتقريعا على المقدمة وليست مراجعة لمضمون الكتاب ككل. اختفت المقدمة من الطبعات الأخرى وبدلا من صفحات عن الختان أصبح هناك فصل كامل عن الختان في النسخة الإنكليزية وحذفت صفحات تتناول الإسلام والمرأة وهناك الكثير مما يقال حول ترجمات كتبها الأخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى