نتحدثُ مع الأجراسِ عنك – عبدالله حمدان الناصر

لأن جرسًا واحدًا في اليد ليس خيرًا من عشرة على جدار.

لأن النسيان ضبعٌ لا يتورع عن حناء الأمهات ولا ينحني لأعشابهن.

ولأن الجرس المعلق بسلسلة المفاتيح يختفي بشكل غامض كل مرة في حقيبة الأم المعبأة بكل شيء: من علكة المستكة إلى اسفنجة تلميع الأحذية. من دليل هاتف الصديقات الراحلات إلى حلوى الأطفال المنتهية الصلاحية. من إبر السكريّ إلى سكرودرايفر العوينات. من شجرة العائلة إلى أكداس مفاتيح البيوت المباعة وسيارات الموتى القديمة. من قصاصات الصور الشمسية إلى علب أحجار المرّ وحبة البركة….

من أجل ذلك كان لابد من أجراسٍ لاسلكية لاصقة مثل بلاستر الجروح.

أجراسٌ تعمل بالبطارية ومكن إلصاقها بالنافذة بالسرير المعدني، بالعكاز الرمادي، بمشّاية الشيخوخة، بكرسي الحمام، بالكرسي المتحرك، بالأثاث، بديكور السيارة الخشبي. بكل مكان مساحته خطوة يمكن أن تذرعيه وينقطع فيه نَفَسُك، أو تنفجر فيه مثانتك الخربة، قبل أن يصل الصوت لأحد.

جرسٌ في اليد ليس خيراً من عشرة على الجدار. لأن اليد تخرّف وتنسى. والخادم تختفي أحيانًا للصلاة أو المعاكسات. والبطاريات لا تدوم مثل وجه الله.

جرسٌ في اليد ليس خيرًا من عشرة على الجدار. لأن أنفاسكِ مخادعةٌ وتنفد، غطيط الأبناء مع زوجاتهم لا ينفد.

ومثل من يذهبون للحرب ويزنّرون أجسادهم بذخيرة فائضة عن الحاجة. تزنرين جسدك الرقيق بالأجراس، وتذخّرين جدران البيت بالأجراس. كأنما تحتمين بالأجراس من الموت العارض للسكون، حين لا يقوم أحدٌ في الليل للتأكد من أسطوانة الأكسجين، ولا ينتبه أحد لامتلاء الرئة فجأة بماء الغياب.

ولأنك أصبحتِ تشاهدين الملائكة أكثر من المعتاد والديكة في الحديقة باتت أنشط من ذي قبل. أصبحتْ أصابعكِ محشوةً بالذعر وتنقر الجرس أحياناً بلا مبرر. والخادم أصبحت لا تأخذ طلبك للنجدة على محمل الجد.

ولأن الأجراس بسبب مرضك صارت تنبت في البيت مثل ثمار الرعد. باتت الأجراس أيضًا لعبة في أيدي الأحفاد ولم يعد سهلًا تمييز الإنذارات الكاذبة من استغاثاتك الحقيقية حين يتلكأ قلبك أو تأخذك الكوما في منتصف الليل.

لكننا الآن في منامك الطويل، بعد أن بردت أصابعك وصمتت ثمار الرعد في البيت، بتنا نشتاق إلى إنذاراتك الكاذبة، ونتحدث طويلاً مع الأجراس عنك.

*: نص: عبدالله حمدان الناصر

زر الذهاب إلى الأعلى