السعيد عبدالغنى – شذرات

أشخاص:
بلدان:

أنا منعزل تماماً حتى عن نفسى،
لا أعرف أي شىء ولا أي أحد وأظن أنى سأموت فى سماء أخرى ولكن
هناك من يعرفنى، الدمى التى تغنى ترنيمة الانتصار على الحياة.
***
أستلقي فى الزنابق الروحية للنهار وفى زوارق الماء والندم وفى ساحة
الأحلام المتحركة وفى أسيجة الأمس وفى كنف الخضوع وفى وجه النبع
وفى ذاكرة المجد العاهر وفى موانىء الحزن .
***
ألعن النصر الذى يصبغ الفرح، أحب أن أحرق الماء بالغرق، أحب أن
أطفىء داخلى بالنور ، أحب أن أنصت إلى عدالة الغبار، أحب أن أتغطى
بالغضب الذى جيوبه فارغة إلا من الغروب، أحب أن أمتد فى روحى
بالطبول وبالبحر، أحب أن أحفر الحراسة وأشتعل بالاتساع.
***
ذهبت مرة إلى حزنى الذى يرعى فى أرض البحر،
كان يهبط فى أنفس الأسماك ويقنعهم بالموت، بالانتحار على الشاطىء
ولكنهم كانوا يرفضون أي شىء يقوله حتى جئت أنا من الزرقة ورسمت
على الماء هوة بها ميراث التوسلات.
***
الرمز عروس الثريا الذى يملأ رسغ القصيدة ويحتقر الدخول إلى مخالب
السفر، يلوح لذئب الرغبة أن تحجز له اللذة بدون أن ينطوي فى رسالة
الصباح الواهية .
***
أحب زنزانة القصيدة التى يتسلق البحر إلى شباكها لكى تجوع كالرصاصة
إلى قلب ولكنها تصيغ الصبر الذى يغنى للافواه التى تشبه السلالم للمعنى.
***
أستعمل القصائد كشراشف وفوطات وكدواء ولكنى لا أستعملها أبداً كبندقية
ولا كمحقق للأسرار لأنى هكذا خلسة أبطنها بالهروب، القصائد ليست
معفية من الضرائب ولا تسقط بالتقادم وغير مهددة بالانقراض.
***
أطعن الجرح بالمجهول المسحور الذى يتثاقل بافلاس التاريخ عن التسكع
فى الموسيقى التى تشبه فانوس الروح، أطعن البستان بالسيلان وبالبكاء
الذى يخلف مواعيده مع صنارة الحبر.
***
وجهى مائدة العالم الذى ينتهى فوراً بعد أن تنتهى القصيدة من ثقب حنجرة
البيوت، بسيجارة اللاذات المسجونة فى مظروف النفس.
***
أخدش الأيام بالفراغ لكى ينمو ظلها فى قلمى الملتحى، أحياناً وأنا صغير
كان قلمى ملتحي وكانت لديه جبة يلبسها وإله يصلى له.
***
يصطاد قلبى الحقيقة من الانعكاسات التى يسميها الغريق قشة، ومن
تفاصيل المقصلة ومن نبضات أسطول النوافذ ومن حمى اللغة ومن دفيئة
التجسد.
***
لا أحمل صرخاتى أبداً وأنا سائر فى النخاع، لا أحملها إلا عندما يدخل
القدر الخميلة حيث يقطع رأس كل الغربان الأسرى للسكر.
***
أنا أمشى على قدمي المهد والصدفة التى أصابتني عندما تساقطت الدهشة
على قلب زقاق الحيرة ولكنها لا توصلني إلا إلى السكين الجائع لصبارة
التكوين.
***
لا أتوقع القذيفة الصديقة التى تجرد الريح من الأفق لكى تخصب النبوءة
الوحيدة للغرابة التى لها جسد السفوح ومزبلة لعاب الثقوب.
***
يندفع السقف إلى مستقبلي وتندفع الجدران إلى حاضري ولكنى أخنق
الفراش لكى تفقس بيضة الخلاء الذى يرشق الدوامة بجموع شخوص الكسل.
***
كم سرت فى الشفقة إلى أن قهقهت الروائح التى تخرج من وجه السحاب،
كم شممت روائح الآخرين إلا رائحة الله ورائحة الشروق والغسق، كل
شىء له رائحة وكل أحد.
***
لا أعرف مثوى الروح فى جسد العالم ولكنى أعرف أن أدخل فى الغبش
عندما أمضغ عشيرة الفاجعة، ولى وعي رهيب لجسد الجحيم المهرج.
***
تنبعث قبلتك من فمى كما ينبعث الصمت من الخراب وأنا لذلك أحب
أن أبحث عن فمى لأنى لا أجده فى رأسى ولا أجد عيناي أيضاً
ولكن أجد قصيدة استحالت أذنين.
***
ترهقنى أي قافية ممكنة، لا أحب أن يكون أي شىء مقفى حتى
الظلال المزدراه من الضوء، حتى قلبى المشع بالجحود، وحتى
حسرتى العذبة التى تكون فى أحيان كثيرة قصيدتى.
***
روحى مضخمة بالقطران وبشذى الدوار وبكمنجة الماء وبقربان
العدم المخزون وبسبات الآهات فى الضحكة وباهانة أنوف الأفكار
التى لا تشم شيئاً غير الكآبة وبكوب المساء المكتظ بصقيع الفراغ.
***
العراء المنبوذ من كل أخضر هو الذى تنمو فيه النباتات الوحيدة التى
لا يطالها إلا الرياح الخائفة من نفسها، أنا أشبه هذه النباتات التى
تنمو فى جوف الأرض ولا أحد يطالها ولا أحد يسقيها ولا أحد يدعو
لها ولا أحد يهتم لها، نعم، ليست لها فائدة ولكنى أحب رؤيتها كما
أحب رؤية المرايا.

الصورة ل Liz Collins

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى