النومُ – شقيقُ المَوت

أساطير الأغريق الأقدمين تصـور كلا من النوم اللطيف ( Hypnos ) ، و الموت الذي لا يعرف الشفقة ( Thanatos ) على أنهما أبناء لآلهة واحدة هي آلهة الليل ( Nyx ) . والشاعر الروماني أوفيد ( Ovid ) كان يسمى النوم ” بالموت المزيف ” . و هو يعيش في كهف على شواطئ نهر ليثي ( Lethe ) ، حيث لا تنفذ إليه الشمس أبداً . و عند مدخل هذا الكهف تزهر نباتات الخشخاش وعدد كبير من الأعشاب الأخرى ، و من هذه جميعاً يقوم الليل بتقطير عصائر النوم حتى يرطب الأرض بها .


” كذلك كان النوم والموت شقيقين عند القبائل الجرمانية الأولى و كان كل منهما يسمى برجل الرمل ( Sandman ) . ويقول كوهلن ( Kuhlen ) ، وهو أحد المتخصصين في تاريخ أنواع العلاج التي تستخدم في النوم ، أن هذه الكلمة تشتق من فعل يبعث ( To Send ) ، و أنها تعني رسولاً يبتعث ، و لكنها كذلك تصف شعور الأطفال المتعبين ( ” أشعر و كأن في عيني رملاً ” ) . وما يلاحظ في ثبوت النائم وجموده أمر غريب غير طبيعي . و نحن حين ننام نتعرض لما في هذا العالم من أخطار. ترى هل سيفيق ثانية من هذه الحالة الغامضة ؟ ولذلك لم يكن من المستغرب بإزاء هذا السؤال المحير أن نجد الناس تتوجه بالصلاة والدعاء من قبل أن نمضي إلى النوم ، وأن نجدهم يعهدون بأرواحهم إلى ملائكة الحفظ والرعاية . ” أنني أرقد وأنام ، ثم أفيق ثانية ، لأن الرب يحفظني ” هكذا تقول الترنيمة الثالثة . وبذلك يتمكن المؤمن من أن ينام في أمان ودون خوف وهو يعلم أن الرب يحرسه . وفي الدعاء ( 121 : 4-5 ) ” أبصر ، أن الذي يحفظ إسرائيل لا يغفل ولا ينام . إن الرب هو حارسك ” . و سفر التكوين يذكر النوم عند تفسير الخلق . والمقصود هنا ليس النوم العادي ، و إنما هو نوم عميق إلى درجة غير عادية {يعرف في العبرية بكلمة تارديما tardema }يدخل الله فيه آدم حتى يتمكن من استئصال ضلع من ضلوعه ليخلق منه حواء .
ومع ذلك فإن النوم الآمن يمكن أن يختلط للوهلة الأولى بالموت . وهكذا تشيع فكرة أن النوم يشبه الموت في ظاهر الأمر في الأشعار والقصص الخرافية وقصص الأبطال .وفي مسرحية شكسبير تتناول جولييت عقارا يؤدي إلى نوم أشبه بالموت عدة أيام وذلك لتتجنب ما لا تطيق من رعاية أسرتها لها . لكن الذي يؤسف له أن الأسرة لم تكن وحدها التي انخدعت و إنما انخدع بهذا أيضا روميو وبذلك تنتهي القصة نهاية مأساوية .و أما سنووايت {snowwhite }فقد كانت أسعد حظا ، ذلك أنها تمكنت في اللحظة الحاسمة من أن تستيقظ ثانية بعد أن ظلت ترقد في تابوتها كالميتة. كذلك نجد مسألة النوم عند برايارروز {b riar rose } ،الجميلة النائمة . ولكننا هنا لا نجد عقارا يبعث على النوم ، و إنما نجد إصابة يقتصر أثرها على أنها تدفع بالنوم فترة تمتد مائة عام . والجميلة لا تنام بمفردها ، و إنما هي تنام برفقة عدد كبير من الناس :الملك ، والملكة والبلاط بأكمله ومعهم الخيول والكلاب والحمام والذباب .ولكن النباتات لا تتـأثر بهذا المفعول السحري إذ نجد أن حاجزا من النباتات ينمو ويغطي المكان بأسره.ثم تقع قبلة الأمير في نفس اللحظة التي كان لابد أن تنتهي عندها فترة السنوات المائة من النوم المكتوب ،ويبدو الأمر في ظاهرة فقط وكأن القبلة هي السبب في عودة الجميع إلى اليقظة، وأن كان من المحقق أن هذه القبلة هي السبب الرئيسي في النهاية السعيدة .
تحدثنا حتى الآن عن النوم بوصفة شبيها للموت ، ولكن من المكن أيضا؟أن نسأل السؤال عينه ولكن بصورة معكوسة :إلى أي حد يمكننا أن نعد الموت حالة شبيهة بالنوم؟ في الانجيل عند يوحنا نجد فقرة مذهلة تتحدث عن مرض اليعازر”Lazarus “
وتتعرض لهذا السؤال . يقول المسيح لحوارييه” لقد آوى صديقنا اليعازر * إلى النوم ، ولكنى أعمد إليه ؟لأوقظه من النوم ” . ويقول الحواريون له “أيها الرب إن كان قد عمد إلى النوم فسوف يعود . وكان المسيح قد تحدث عن الموت ، ولكنهم حسبوا أن المسيح ا نما يقصد أن الرجل قصد إلى النوم ليستريح . وعند ئذ أخبرهم المسيح بوضوح ( أن اليعازر ميت ).
ثم يمضى المسيح مع حوارييه إلى القبر حيث كان الرجل الميت قد قضى أربعة أيام، ويصيح بصوت مرتفع ( اخرج علينا ياليعازر ) فيخرج الرجل الميت، وقد ربطت يداه وقد ماه بالأربطة والتف وجهه بالقماش . وهكذا عاد الرجل إلى الحياة وكأنه يفيق من نوم عميق . وبالإضافة إلى هذه الفقرة من الانجيل نجد أن البشر قد دعاهم الدعاة إلى أن يسألوا إن كان الموت هو فعلا نهاية الحياة أم أن من الممكن أن البشر قد دعاهم الدعاة إلى أن يسألوا إن كان الموت هو فعلا نهاية الحياة ،أم أن من الممكن أن يكون الموت حالة أشبه بالنوم يحتمل أن يفيق الناس منها فيمـا بعد . ومع ذلك فإن مناقشة هذه المشكلة ، وأن كانت تشغل كثيرا من الناس منها فيما بعد .ومع ذلك فإن مناقشة هذه المشكلة ، وأن كانت تشغل كثيرا من الناس في أيامنا هذه، سوف تجرفنا بعيدا عن موضوع دراسة هذا الكتاب .

_______
* الكسندر بوربلي.
ترجمة : د / أحمد عبدالعزيز سلامة .
” أسرار النوم ” .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى