رِسَالَةُ عَقلْ عَوِِيطْ إلَى الله

يا ألله ،

انظرني عيناً بعينٍ ولا تُشحْ وَجهَكَ عَنِّي. أنا عَينُ هَابيلَ الرَّائيةَ بَعدَمَا قَتَلَنِي شَقِيقِي قايين.
لا تحدّياً أخاطبكَ إنما يأساً.

هل أسخرُ منكَ الآنَ يا الله، لأنكَ العجوزُ الضعيفُ المهزول. هَل أُجَدِّفُ لأَنَّكَ الكَسُولُ النائمُ عَلى مَجدِكَ الْمُتَرَهِّل. هل أبحثُ عن إلهٍ أمينٍ آخر ؛ لأنكَ خائنُ نفسِكَ ومُسَلِّمُ أتباعِكَ في الأرض. هل ألطِمُ وجهَكَ كي تصدِّقَ أني لم أعُد أؤمن؟

كنتَ تقولُ وكُنَّا نُصدِّق. كنتَ تقولُ من يَملِكُ إيمانَ مثقالَ حبةِ الخردلِ يستطيع أن يقولَ لهذا الجبلِ انتقل ، فينتقلُ ويصيرُ في البحر. الآن أسألك لا أن تنقلَ الجبالَ وتسقطها في البحرِ، بل أن تصدَّ منافِسِيكَ والمتآمرينَ عليكَ وتمنعَهُم عَـنَّـا.

لا نريدُ أعجُوبَةً يا الله ، لأنـَّنَا بِتنَا نعرفُ أن أعجُوبَتكَ لن تجدَ مَكاناً لَهَا في الأرض. لأنَّ الشَّرَ، الشرَّ الذي صنعتَهُ بيديكَ الاثنتين، قد تمرَّدَ عليكَ وصارَ الأقوى .. شرُّ العبقريةِ الكُبرى هذا، هوَ الآنَ، أقوى منكَ يا الله !
كانَ الشيطانُ أقوى، ولم يكن ثَمَّةَ قوةٌ في الأرض تستطيعُ أن تَتَغلَّبَ على الأعجوبة.

كنتَ تقولُ أنَّ الأعجوبةَ تشفي المرضى. وتقيمُ الموتى. وتصنعُ الشعرَ. وترسلُ قوسَ قزحٍ في العاصفة. وتُشلّ يدَ المعتدي. تُيّبسها. تقطعها. شرطَ، فقط، أن نؤمن.

كنا نؤمنُ، يا الله، وكنتَ البرهان .. لا نزالُ نؤمن، فأين هو برهانُكَ الآن، ولماذا لا يَتحَقَّقْ ؟

لماذا لا تُشَل، الآن، يدُ هذا الشيطانِ الأكبر الذي يُدعَى الولاياتُ المتحدة؟ .. إذا كُنتَ إلهاً حقّاً، فافعل ما تمليه عليكَ ألهوتك، ولا تطلبْ شيئاً في المقَابِل.

لماذا، يا الله – أكنَّا نُؤمنُ بكَ أم لا – تَتَهرَّبُ مِن ألُوهَتِكَ؟ وَلماذا صِرتَ ضعيفَاً وَجبانَاً وَمَخذُولاً ؟ !
لماذا صرتَ الهاربَ والفارَّ والْمُخَبِّئ وجهكَ وعَينَيكَ أمامَ ضِحكَةِ الشيطانِ القَوية ؟

لماذا، وأنَا أنادِيكَ وأُسَمِّيكَ لتسمعني وتراني وتعرفني جيداً ، لماذا صِرتَ، يا الله، قاتلاً في أرضِ لبنانَ وفلسطينَ والعراق ، بَعدَما كُنتَ يَوماً إلهاً لحارقي الأرض؟ لماذا لا تَستقوي بجنودِكَ الكُثر الهائمينَ بِكَ وبسببكَ في بقاعِ الأرض؟ لماذا لا تحتمي بهم؟ حَتـَّى أولئكَ الذين مَصَالِحُهم غيرُ مَصَالِحكَ، وهُمُومُهم غيرُ هُمُومِكَ، لماذا حينَ يقفون في وجه الشرِّ، لماذا لا تعضدهم وتقوّي عزائمَهُم؟ لماذا لا تَمُدُّ يدكَ لترجِّف آلةَ الشرّ العظـمى، هذه التي تُدعى واقعياً ورمزياً الولايات المتحدة؟ لماذا لا تُرسل طوفانكَ لا لتخرّب بل لتوقف الخراب، ما دمتَ أرسلته في أحدِ الأيامِ الغابرةِ، وأنقذتَ جنسك البشري، ومعه زوجٌ من كل صنفٍ وحيوان، لماذا لا ترسِلْهُ الآنَ كي تضعَ حدّاً لهذا الشر الذي استشرى، هذا الشرُّ المقيمُ بيننا وذاك القادمُ إلينا بضحكاتِ الملائكةِ الأشرار؟

وما دمتُ أخاطبكَ باسمي، لماذا لا تمدُّ يدَك لترجِّف آلةَ الشر التي تبيدُ شعبَ فلسطين، وتلكَ التي تُلغي شعبَ لبنان؟
ألا يكفيكَ، يا الله، أن الشعوبَ بأسرها، الشعوبَ المتألمةَ، الرائيةَ، الضعيفةَ، الحرَّةَ، القتيلةَ، المختلفةَ عن القطيعِ، أنَّ هذهِ الشعوبُ ترفعُ إليكَ أيديها ضَارعَةً مُستَغِيثَةً، مُوقِظَةً إياكَ مِن هَربِكَ الفظيعِ، مِن نَومِكَ الأبدي، مِن وُقوفِكَ الصامتِ – أكادُ أقول – إلى جَانِبِ الشَّر ؟!

ما بالكَ لا تسمعُ، يا الله؟ ما بالكَ لا تستجيبُ شعبَ العراق، وهو نفسُهُ شعبُ فلسطينَ وشعبُ لبنان وشعوبُ أفريقيا وشعوبُ نواحي الظلمِ كلها؟ مَا بالك لا تراه؟ ما بالك لا تتذكَّرُ ثلاثينَ عاماً مِن الفظائعِ منذ رَميتَهُ في الْجُبِّ البعثي إلى الآن؟ ما بالكَ لا ترى بعينيك الاثنتين، هاتينِ اللتينِ تريانِ الكونَ وما فيه ومَا فوقَه ومَا تحته، ما بالكَ لا ترى الجحيمَ العراقية، جهنَّمُ البعثِ هذه، ولا ترى أيضاً هذا الجزارِ الأميركي، وهو يشحذُ سَكَاكِينَه – لَيتَها تكونُ سَكَاكِينَ – ضَاحِكَاً، جَائِعاً، ضِحكَةَ المجانِينِ الْمَرضَى وَجُوعَهُمُ الأبَدِيَّ إلى الفتكِ والقتلِ والدمِ والسيطرةِ والإلغاء؟

ماذا دهاكَ أيها الله؟ ألا تستطيعُ أن تُصوِّت في مجلس الأمن؟ أليس تحتَ يديكَ هواتفَ حمراءَ تخاطبُ بها المتردِّدينَ كَي تُقنِعَهم بالتصويتِ لك؟ أتكونُ ضِدَّ نفسكَ، أم تكون يا تُرى قد ارتأَيتَ أنَّ الشرَّ المقيمَ لا دواءَ له سوى هذا الشرِّ الآتي؟ أليسَ لديكَ مَن تُرسِلُه إلى هناك، إلى مجلسِ الأمنِ في الأمم المتحدة، لتمنعَ وسواسَ المصالحِ والمخاوفِ والضغوطِ والتهديدِ والرعبِ مِنْ أَنْ يَنفُثَ غُيومَهُ السوداءَ فوقَ التشيلي وانغولا والمكسيك لدفعِهَا دفعاً إلى التصويت للحَربِ السَّودَاء؟
اكسِر يا الله يدَ هذا الطاغوت، اخلعهَا خَلعاً مِنَ الكُوعِ كَي تَرتَدَّ عَـنَّا.

لا تنظر مَا إذا كُنَّا نؤمنُ أمْ لاَ.

افعلْ شيئاً حسناً نتذكَّرُكَ به، مِن أجلِ أطفالِ العراق، من أجلِ شُيُوخِهِ وَعَجَزَتِه، مِن أجلِ فَلاَّحِيهِ ونُبَلائِه، من أجلِ شُعَرائِه وكُتَّابِهِ وفَنَّانِيهِ، مِن أجلِ أسَاطِيرِهِ وطُقوسِ التاريخِ فيه، من أجلِ أوثانِه وآلهته، من أجلِ مياهِهِ، كي لا تَصِيرَ مياهاً قاحِلة.
افعل شيئاً حسناً كَي لا تصيرَ بيداءً، أرضُ الرافدينِ تلكَ، عَلى غِرارِ بَيادِيكَ في هذه الأرضِ العربيةِ المغمورةِ بالبعثِ وبكلِّ بعثٍ آخرَ وبكلِّ الأسماءِ الأخرى: من أرضِ لبنانَ إلى أرضِ الشام إلى أرضِ الأرضِ في فلسطين، إلى أرضِ الرَّافِدَينِ، إلى أرضِ وادي النيل، إلى أرضِ المغربِ العربي كُلِّهِ، إلى أرضِ الخليجِ، وهيَ الصحراءُ ذاتُ الشوكِ الأبدي، المبلولةِ بالماءِ الأسودِ المقزز، ماءُ الموتِ الذي يشتاقُ إليهِ المستبدُّ الأمريكِي، ويريدُه ويَتَمنَّى أن ينامَ فيهِ – يا ليتَ – ويحتَرِق.

أعطِنَا يدَك، يدُكَ القادرةُ تلكَ لا يَدُكَ الساكتة هَذِه، لنردَّ بِهَا كيدَ أعداءِ الحياةِ ، ونلوي أعناقَ أرواحِهِمُ الشريرة.

أعطِنَا يدكَ لا لنقتلَ بِهَا ؛ إنَّما لننتشلَ شعبَ العراقِ – ومَعهُ شعوبَ المظلومينَ كُلَّها – مِن أيدي الطغاةِ كُلِّهم، مِن مَخَالِبِهم، مِن أسنَانِهم الكاسرة، من أَعيُنِهمُ الَّتِي تَلتَهِمُ وتُحرِقُ وتُبِيد.
أعطِنَا لا أن نصيرَ عَبيدك ، بل أن نعود نؤمن.
لا إله توراةَ نريدُكَ بل إلهاً للحب.

أعطِنا بِدُونِ مُقَابل. أعطِنا كَي نَظَلَّ نَستَطِيعُ أن نَتَحَدَّاكَ وألاَّ نؤمن بك.
أعطِنا أن تظلَّ تقبلُ كُفرَنَا وأن تَظَلَّ تُعطِي.

فأَرِِنا الآن، أعجوبَتَكَ هذهِ، لا لكي نؤمنَ، بل من أجلِ أن تَكون.
لا على طريقةِ تُومَا، ولا مِن أجلنَا، لكن من أجلِ أن تَستَحِقَّ أن تكونَ إلهاً مِن جَدِيد.

عقل عويط

‫2 تعليقات

  1. أحيانا تتوقفنا نصوص لنمعن في جودتها, وأحيانا تجعلنا نهرب مسرعين خشية ان يتنزل علينا عقابا يلعننا
    .
    .
    .
    الحمد لله على نعمة العقل… الرشيد

  2. عقل عويط ..انتشل نفسك أولا
    قبل فلسطين والعراق أو حتى موزمبيق..
    مثلك ليس بجاهل , وهذه مصيبة بحد ذاتها
    ولو آمنت حقاً لعلمت سبب كل شيء ولما كتبت
    بكل جهل رسالة إلى أحدٍ يعلم ما تكتب قبل أن تكتب
    ولكنه غرور أحمق لم يستطع أن يميز نفسه ضمن
    حدود المقبول والمعقول فنزح نزوحا تخطى كل
    الخطوط السوداء اللعينة ليخلق لنفسه كينونة
    شبه عمياء لا تسر الناظرين وهذا الذي
    لم يفعله الكثير ممن يسكنون أرض الشيطان كما تزعم
    أني أبارك لك حقا..
    فلقد أسقطت فكَّ ابليسَ مندهشا لوقاحتك
    ولا أدري إن كنتَ تخطط لتجاوز فرعون الأدنى يوماً
    ولكنه يتقلب في قبره يترقب بشغف..

    كم أنت حليم يا الله ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى