من شارع بورقيبة و الشوارع المتفرعة عنه، من بارات العاصمة ومقاهيها من “قاري بلدي” و”لونيفار”، من نزل شعبية قذرة، من الحفصية والمدينة العربي، من شرفة الفلاش باك تطل على قرية بالجنوب، من الحديقة الخلفية لقرطاح وحديقة البلفيدير ، أطل علينا عبد الله مثقلا بالأسئلة، أسئلة عن رغبات الجسد ورغبات الفكر، أسئلة عن أصل الإنسان ومٱله، عن وضعية المثقف مشردا بالعاصمة ينظف ما يخلفة السكارى في المباول والأحواض، عن الانسان في توقه إلى الحرية، من أكثر حرية مبدع تعوزه المادة في مدينة كبرى أبوابها تكاد تكون مغلقة أم قرد يضحك في قفصه يتأمل العالم ويهزأ من الحظارة وقذارتها؟ من أكثر عهرا، عاهرة الجسد تهديه النبيذ والأكل والمأوى أم من يبيع ما أغلى من دمه” شرفه مثلا، مقابل أربع قوارير بيرة، وثمة من يبيع أمه، وثمة من يبيع وطنه بأبخس من ذلك بكثير”
من أكثر استحقاقا للوجود، انسان يخرب العالم بالعنف والقتل والكذب والخيانة أم قرد ” لم يخن جوهره”.
عبد الله في طريقه إلى القردية المرغوبة، رأى أمثاله من البشر يختارون التحول إلى حيوانات ” فكل الحيوانات … اعترفت حيوانا حيوانا أنها كانت بشرا وتنكرت في أزياء حيوانات لتهرب بجلودها من عالم البغاء والبراز”.
من فرج عاهرة كان يتفرج على العالم، ” فالفرجة هي فرج بتاء مربوطة… الفرجة هي زناء العين: تتلذذ الضوء والمشاهد”
جعلنا هذا الكتاب نتفرج على شخصيات الكاتب ونتفاعل معها، وجعلنا فرجة أيضا لأننا بشر يتأملنا قرد ويفضح عيوبنا.
كتاب يفضح الواقع بلغة رمزية أقرب إلى المجاز وتصعد إلى حد كبير من الشعرية أحيانا لكنها أحيانا تنزلنا إلى العالم السفلي ما يسميه الكاتب ب” تحت الحزام” فينقل لنا لغة البارات والمواخير ونساء ٱخر الليل، لغة تنقل لنا أيضا بعض أشعار العامية المليئة بالحكمة مثال ذلك:
” مسكين الخامج لا نجم يسير، ولا نجم يقرى المسارب…
يطيش في روحو في البير ومخلي كنزو بين العقارب”
كتاب يروي قصصا داخل القصة فتتداخل القصص وتفرز قصة أخرى، قصة تنشئها أنت أيها القارئ.
كاتب يعيش دور القرد متسائلا: ” هل أنا انسان يحلم أنه قرد، أم أنني قرد يحلم أنني انسان”
كائن يشتهي الفرار من المدينة المزدحمة إلى الغابة بغريزتها، قرد يكتب الحكاية على قشرة موز، انسان يذهب طوعا إلى قفص القرد ويأخذ مكان أبي خلف، ذاك الذي كان مستمعا حقيقيا لحكاياه.
في زحمة المدينة والخيانات، هناك من يشبهه، الأستاذ زاهي، مقبـّل كؤوس النبيذ.
وحده الأستاذ كان يراه طبيعيا ويتفهم جنون المبدع وحالاته،
فمن هو الطبيعي أيها القارئ- الإنسان المنشغل باليومي، بالأكل والشرب والتبرز؟ أم الطارح للأسئلة الذي ينتهي به المطاف إلى مستشفى الرازي، هناك يقول زاهي: لا أجد داع لاعتقاله في مستشفى الرازي… مذكرا القارئ بالشاعر منور صمادح الذي توفي هناك.بعد قراءة هذا الكتاب سأختار أن أكون ظبية شاردة في المعنى. فأي الحيوانات ستلبس جلدها أيها القارئ؟
172 2 دقائق