سنترك المدينة خلفنا – إبراهيم السيد

مختارات من ديوان: أحد عشر كلباً لإبراهيم السيد

الحياة كانت في الأصل شجرة

الجغرافيا التي جمعتنا داخل عربة حنطور كانت كافية لينشد السائق “رق الحبيب”
كاملةً مرتين قبل أن نعبر شارع البحر وصولاً للمنتزه.
اكتفينا بالنوم فوق عشب الذاكرة الطري
هشام يكن يتكلم عن روح سنة 90 عبر راديو ترانزستور أحمر صغير
الحنين للتسعينيات يؤلم المؤخرة كمقعد دراجة هندية الصنع مقاس 24
صديقتي غريبة الأطوار ممددة بجواري
قدماها القصيرتان مغطاتين بالدماء
الرغبة التي تنمو بين أفخاذنا
قرينة القطارات
حيث للذروة صوت نفير
كما علّمتنا أفلام الأبيض والأسود
لم يلحظ أحد منا
الفخاخ المنصوبة أمامنا
لاصطياد العصافير.

A Gloomy Sunday Morning
أو
الحياة كخلية نائمة

صديقتي غريبة الأطوار تمارس تدريبات الجري في المكان بينما أنظف الجدار المزخرف مستخدما سائل للتنظيف وردي اللون
كان تركيب ورق الحائط قبل خمسة وعشرين عاماً، بزخارفه البارزة وأشجاره الخضراء الباهتة دليلاً منقوش على أهمية التغيير.
كنت في الخامسة
خيوط زاهية الألوان تملأ الأرفف،
أمي الوفية لموديل المرأة الحديثة لمجلة حواء
تبحث عن بكرة خيط ماركة كفر الدوار
لثبات لونها عبر الزمن.

بدأ العمال في صب الأساسات الإسمنتية الخضراء
داخل هياكل خشبية مشدودة بأحكام
بعد أن تم تخطيط قطعة الأرض الممتدة أمامي بالجير الأبيض
وأمي في الجهة المقابلة
صامتة كإله
تمسك بطرف خيط خلفته طائرة ورقية ملونة
تشبه الحياة
قريبة جداً
وعالقة
بشجرة.

سحر الفاشية الخفي

يبدو ربيع 2012 مؤلما بزهوره الصفراء الصغيرة التي تملأ حديقة المستشفى
أشجار الكريسماس المتربة
Made In China
للزينة الحمراء
رائحة ثمار فراولة
تغطيها طبقة بيضاء لزجة من العفن.
هكذا تخاف صديقتي من جسدها؛ جسدها المحايد
كحليف غير مأمون تماماً،
في معركة المحبة.
الفاشية التي نمت في المدارس تغزو الشوارع الآن.
لسحالي تجوب الطرقات
والدولة أشباح تضغط فوق أصابعنا النحيلة.

المارشات العسكرية تذكر بالخمسينيات السعيدة: خدود شادية الوردية وميلودراما السينما المقتبسة عن غادة الكاميليا
النسخ الجديدة شائهة والدبابات ومجنزرات أخرى
تحتل الشوارع.
في خلفية المشهد “المهرجانات” نشيد وطني
لجيوش جرارة من بائعي الولاعات، ورجال الدولة وآخرين.
سنترك المدينة خلفنا
متجهين للصحراء
عربات الأجرة ممتلئة بالكامل
خطوط السكك الحديدية مقطوعة
لن نقفز في النهر.

الانتظار

سباحة متواصلة بالداخل
ومصّدات الموج الأسمنتية القبيحة
تسد الرؤية على الجانبين

الشاطئ خلفنا
مليء بهياكل جيلاتينية
تنبض في الظلام
لقناديل بحر
باغتتها موجة باردة.

أصحو من النوم ككلب

تخبرني زوجتي وهي تمزج مقدار كوب واحد من دقيق القمح الأبيض مع قليل من الزيت وبيضة وقليل من اللبن:
تحتاج لإجازة، تتعرّق وأنت نائم وكلماتك القليلة الواضحة أثناء نومك تحولت لغمغمات خافتة غير مسموعة.
تتكلم وهي تفرد كرة العجين بالكوب الزجاجي نفسه فوق الرخام البارد قبل أن تقطعها لدوائر متساوية بالفوهة الدائرية للكوب الزجاجي المزخرف
أُفكر أنّ الكلاب بالتأكيد لا تتشابه
هناك كلاب سيئة الطبع وأخرى وديعة
وكلاب أخرى متقلبة المزاج والطباع كالبشر.
بدلاً من المجادلة أمزج جبن أبيض مع شَبَت أخضر وزيت زيتون في انتظار الإفطار.
أنا شريك في الجريمة
الجريمة
التى لا تُفيد.

من الجيد أن تسكن جوار البحر
هكذا أسمع صوت السعادة واضحاً في أذني
عربات أسعاف مسرعة
تحمل جثث الغرقى بلا ملل.

الأسئلة لن تنتهي كمفاوضات مستمرة مع الأرق
على أية حال
الجلوس على طاولة المفاوضات جيد
لا توجد إجابات نهائية
الغرفة دافئة والمشروبات لا تتوقف
الأمر بسيط
مجرد سوء تفاهم حول خطوط التماس.
للمدينة دائماً قاع أعمق
هل ستبدو جثثنا المنتفخة أمام الكاميرات
كما تليق بغرقى من أجيال مختلفة؟
لم يتغير شيء
تلميذ خائب يداعب صنارته الجديدة
الضجر لانهائي
كشاطئ مهجور في يونيو
يعرف رفاقي جيداً أنني لا أشكل تهديداً لأحد
الأمور تسير إلى الأسوأ كما يخبرني الجميع
وأنا في طريقي إلى البيت اشتريت سيجاراً لأول مرة
لأتجنّب الدراما
في بيتي حافي القدمين
بيدي سيجار سميك
و قبعتي فارغة من الأرانب
هكذا سيتأكد الجميع
أن ما أجيده لا يحتاجه أحد.
أحتاج فقط
مزيداً من الوقت
كي يتسنى لي
تأجيل الذهاب إلي هناك.
الصدأ يتراكم بالداخل
يجب أن نحطم هذه المدن الآمنة
أسلحتنا كافية
فأس بلاستيكية حمراء
ودلو.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى