خرج أنطوان من دار القضاء مصابًا برعشٍة في جميع أطرافه. رعشات خبيثة تنتاب جسده أحدها تلي الأخري. غير معلوم مدي جديتها، وسببها غير مفهوم. تارة يقول البرد يطحن عظامي وأخرى ينادي بصوت مسموع إنهم البشر من يفعلون هذا بي. الأشياء تبدو علي عادتها. شاب وسيم يصطحب فتاة حمقاء، يرتدي علي رأسه كتلة من الصوف لتقيه من البرد، غير أنه وفي حقيقة الأمر يغطيها بعيدًا عن أعين أنطوان. تجعله يبدو وسيمًا، وللحظة يتخيله عقله مع الفتاة في غرفة مغلقة. الآن يبدو حقيقياً كالجميع. بلا غطاء رأس أو غطاء روح. التعبيرات الحقيقية الوحيدة التي يُفصَح بها عن وجهكم يا قوم هي حين تمارسون الجنس. لا يقوي التصنع علي إذلال النشوة. أنطوان مجنونةٌ قدماه. من الشمال إلي اليمين يجيء ويذهب. حينًا ينظران إلى وجه فتاة وحينًا آخري إلى فتى. عينا أنطوان محمرتان، تقطران مياهًا من حين إلي حين ولكن (بتؤدة و تمهل مبكي. “أستطيع الاستغناء عن جميع أحضان وقُبَل العالم فداءً لدفء الشمس” يسود الهواء بجوار أنطوان وكذلك السماء يكسوها “القتوم”. لكن أنطوان لازال يبحث، ولازالت قدماه تعرجان علي كل منعطف يراه، أو حتي يشتم ريحه إثر وجود بائع متجول فيه. أنطوان لا يملك من الأمر شيئًا، غير أنه يرتدي بزة استعارها من مجنون المكان الذي يسكن فيه، مجنون يطلق علي نفسه فنان. الحق أن الجميع مجانين وليس فقط الفنانون. حتي الجنون عملة مستهلكة. أنطوان دخل دار القضاء رغبة في شيء ما هو يجهله كما يجهله الجميع. أنا، أنتم وكل من مر من هنا ورأي أو لم يرَ ولم يمر. داخل القفص يمكث شخص ما، يطلقون عليه المتهم. ذاك المتهم يا سادة كان قد زخرف مبنى قديم بألوان من الماء فصار حيًا. هذه كانت التهمة، هل يرتعش جسد أنطوان من التهمة؟! قدما انطوان لا زالتا تبحثان، وعيناه تخترقان الكتل الصوفية فوق الرءوس. هو يبحث عن الشمس، ويري أنها دواء لارتعاش جسده. أنطوان هذا يري الشمس شفاءً من الناس كما هي شفاءٌ من البرد. جسده لازال يرتعش وقدماه تبحثان.
439 دقيقة واحدة