عبداللطيف حسن _ وجوه عدة للقصيدة

القصيدة التي في الأصابع قبل جفاف الحبر ،قبل تبدد الفكرة.
القصيدة التي تفكرها جيداً بمجامع روحك كلها ،ثم تتبخر كأنها لم توجد.
خرقة المعدن الزلقة تلك التي لايمكنك الأمساك بجوهرها
تلمع على حواف الأكواب كغزلان الضوء الشاردة وترك بخفة طائر على أضلاع النهر السائلة في هيولى الضوء
القصيدة التي تجلس في دعة وتدخن باستهزاء
هي العطر في وردة الأزل البعيدة ،اللهب الأزرق في رأس الشمعة
والأشباح السوداء المنعكسة على الجدران وزجاج النوافذ
قريبة كرفة جفن ولامعة كماسة مسحورة
القصيدة التي تركض في فخ السطور دون
أن تترك رائحة .. هي مايلمع في عين الفجاءة
مايختلج في القلب من الخفة الركيكة
مسار الأسراب التي يكنسها الهواء من السماء ..
مايسقط من رماد النجمة بعد الإحتراق
مايطفو في وجه الماء من طفولة البريق المتقلبة
القصيدة التي تحتسي النبع بلحمه ودمه
وتحطم أقفاص العصافير
القصيدة المفعمة بهرجلة السايكولوجيا..
التي ترتاح في البساطة في السلام العابر
في الكلمة المخططة بالغموض ، في الطين
المكدس بالجمل ، في الحلكة الفتاكة بالنجوم.
في مصاريع الأبواب السوداء. ..
القصيدة التي يكفنها الصدى وتخفقها أجنحة النوارس
في نعاس البحر ..
القصيدة التي تتلف الورد بمزاجها السوادوي
وتنتهك اللذائذ دون يهتز بيتها لمكر الأستعارة
القصيدة التي تعرف جوهر الحبر السري
وتستخف بحيل البلاغة وزلاقة الترتيب
التي تهد بيت الصنعة دون أن يعتريها الندم
مصفاة العناصر الروحية المركبة..
تعشش طويلا في الروح ولاتتحلل ،
لها حيلة التناسخ وقدرة الأمومة ومكر الآلهة
لم تكن آلة تخيط في فتوق التفاهة
لم تكن منارا يحتمل جلافة التهريج للسفن العابرة
لم تكن عزاء للهدر البليد ولاتزجية للوقت الفاتر والمكدس بالهباء..
لم تكن ماعونا أو شكلا تبدده الظلال ويبهت
في أصابع البلازما ..
لم تكن خيطا عاطلا في مغزل الوجود القديم
ولم تكن كأس مبذولة لسكرة عابرة
ولا ليلا بهيما خالصا من شبهة الأرق وعسس الندامة
لم تكن طريدة ولاصياد ولا لغة تمزقها شفرة الكلام المشحوذة..
لكنها مجلاة الجوهر المصهور بالعذابات،
العجز المزمن في اللياقة الروحية
الزمن المكبل في عقارب الساعات
المكان الناشب في مناعة الدفء
النحول الخفيف في قامة الليل
مساقط الماء في النهر الكبير العابر
التألق في ملامح الأمومة
الندبة الخضراء في يد المجاز..
الشامة في أسفل ظهر الرقة
السريان السري للنسغ داخل الجذوع
الرجفة في يد الحبيب المكوكبة بالثمالة
الإنزلاق البطيء اللامنتظم في طين الخلق
النار التي تعصر رائحة الخبز
الأبدية التي أعجزت العلم وكبلت حدوس الفلاسفة
الغرائز الجائعة التي تلوح بالنهش والإبادة
الأبدية التي حطمت ازلها ثم خبزته في حمأة الجوع
غريزة التحليق في الأفق السكران بالروائح والأضواء.
الإشراق المضغوط في عبارة الذاكرة ،
نشاط الفراشة في حقل النزوع
طلاقة الفراشة في لهب الأكتشاف
عصارة الروح الحريرية ونأمة الصمت الخافتة
فم الهاوية الفاغر ،
نفاد جيوب القلب المملؤة برهاب العدم.. وذهب المحبة الخالص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى