نظرات فى فيلم ” إشراقة أبدية لعقل نظيف ” _ السعيد عبدالغني

الاكتئاب والاهتمام بالذات وبملكياتها والاكثار والتضخيم فى غلق الوجدان أمام الجميع ، الصمت والشرود وقلة استخدام الأعضاء التعبيرية والتعلق بالاماكن الفارغة التى يمكن أن يكون فيها الإنسان وحيدا فى هدوء تام فى رأسه وخارجه ، والاهتمام الشديد بالتفاصيل وبدلالات تغيرها ، والتحليل الشديد لكل شىء وشده بأفكار ومشاعر إلى السوداوية ولكن الصدفة الخالقة لكل شىء هى التى تضع فى عقله خيفة لأنها بلا علة ومع ذلك تؤثث فيه وقد حدثت صدفة بملاقاته بها .
إنهم غرباء تعساء فى عالم فوضوي ملىء بالاحتمالات التى تفرق والتى تؤلف بين الناس ، هو مكتئب جدا وهذا الاكتئاب يجعله صادقا فى كل ما يريده ، فانيا بكله فيه وخصوصا معنى الوجد ذلك لان هناك معان كثيؤة قد دمرت فيه ، يبحث عن كل ما هو حقيقي بعد التقزز من الاوهام والزيف لذلك هو يتألم بشدة ولأنه مكتئب يكون حضور الأشياء الوجدانية البسيطة كوجده ذلك غازيا كل شىء به لأنه أولا بلا مشاعر علائقية كثيرة ولأنه ثانيا لا يشعر بوجد بدون ان يملئه هذا الوجد ويتشعب به بدرجة مخيفة فيكون الالم مضاعف مئات المرات ، الاحداث الوجدانية تلك تكون لها صدى واسع بداخله كونه يؤمن بأن نسبة الصدق هى فى المشاعر وهذه المشاعر المعطلة يستشعرها لأناس كثيرة ، فربما يقضى قصة حب فى رأسه وتنتهى ايضا فى رأسه فى لحظة ما . .
عادة ينجذب المكتئبين إلى غريبى الأطوار مثل كليمنتاين لأنهم يرون فى الغريب الأطوار عدم اكتراث بالنعت الملقى عليه وبحقيقيته الشفافة ، إنهم يريدون كل شىء حقيقي ، كل شىء يمثل للحقيقة ولا يحيد عنها ولا يكترث باراء العالم ونصنيفاته .
كون الألم هو الذاكرة ، هو الحنين غلى أحداث حدثت بينهم ، هو الحنين غلى الشعور بنفس المشاعر وبنفس أفقها ، فقدت كليمنتاين ذاكرتها مدة العلاقة وفقدها هو أيضا بعدها ولكن بعد معرفة انها فقدتها ، إن يضحى بكل ما يملك من نشوة وهى فى تذكرها رغم الألم الشدي ومعرفته أنها لم تعد تتذكر شيئا ، هنا يٌرد إلى نقطة العود الأخير للانسان لفيزيائيته التى تؤثر على معانيه ، إنه تألم أكثر لأنها لم ترد أن تتذكر هذه الأحداث والمشاعر والأفكار التى كانت بينهم لمدة سنتين كاملتين ، وبخيالية المخرج يقفز على الفيزياء ويجعل فقدهم للذاكرة أمر عادى .
الأمر هنا هل يصلح المكتئب للحب وهو فى خضم اكتئابه ، هل يشعر بمشاعر علائقية تجاه آخر ؟ نعم إنه سيشعر بكل ما هو صادق مهما كانت هذه المشاعر ضد سوداويته وفتوره الكلي .
المكتئب دوما شخص خيالي ، غامض ، لا يبوح كثيرا لأنه تخلى عن اللغة كمعبِر بشكل حكائي يومي ولكنه سيقترب من الكتابة وافعال التعبير ، وغريب الأطوار شخص دوما بلا خوف ، يفعل ما يريد واقعيا ليس فى رأسه .
فى الفيلم أمل تعيس وهو لقائهم ثانية مرة أخرى بعد فقد الذاكره بالاكراه الارادي ، من خالق الصدف المجهول ، إنهما سيتحابا مهما قابلوا بعض فى أى ظرف كان ، سيتحابا ثانية وثالثا ورابعا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى