أريد أن أراك ثانية لأول مرة – بلال علاء

أريد أن أراك ثانية لأول مرة

أريد أن نمشي سوية، آمنين، نخطط لإعادة هيكلة العالم، بثقة مفرطة، وكما تقول، بعدم إدراك لموقعنا في التاريخ

أن أعاتب أحد بشدة، وأصرخ فيه، متخليًا عن دور العاقل الرصين، مطمئنًا أن بيننا ما يسمح لي، أخيرًا، بالانفجار

أن أحكي حكاية طويلة جدًا، شخصية جدًا، دون احتراس أنني أحكيها للمستمع الخطأ

ألا أكون مرة أخرى، وإلى الأبد، الطرف الأكثر حماسة

ألا أجد في كل بيت جديد، مخاوف جديدة، لم أخترها، وعلي أن أتعايش معها

ألا أتمنى كل يوم، أن تدهسني سيارة مسرعة، لتخلصني من مكائد لم توجد إلا في خيالي

أن أعبر عن رأيي بحماسة من يظن أن رأيه سيعني شيئًا ما

أن يتفتح لي عالم غريب حين أقرأ صدفة كتاب ما

أن تؤنسني قصيدة، وأتماهى مع بطل رواية

أن أكتشف فيلسوفًا، يقنعني، لفترة ما، أنه نجح في تفسير العالم فعلا

وأن أتعجب بعدها، كيف خال علي هذا الكلام الأحمق

ألا أصيغ مشاعري كنكتة لأمرر حميمية سُترفض إن أعلنت عن نفسها صراحة

ألا يدفعني انعدام الجدوى، لعقلنة القبح والاستغلال والشرمطة

وألا أضبط نفسي متسامحًا مع قسوة موجهة إلي

ألا تمتد يدي إلى يد ستنسحب بهدوء، وألا يتجمد وجه حين أمرر يداي عليه

أن تتلو علي قصيدة مراهقة جدًا، بفخر، في لقاءنا الأول، في ميكروباص

وأن أسمع صوتِك فرحًا وجسورًا وثقيلًا للمرة الأولى حتى أهم أن أقبله

أن تقولي لي في موعدنا الأول، نكتة بذيئة جدًا، حتى أشعر بالخجل، في تبادل غريب للأدوار

ألا تنفجر قنبلة حب أحدنا للآخر، بينما نحن على وشك عبور حقل ألغام صداقتنا

وألا تكون تلك القنبلة، أبدًا، حبك لي

وألا يكون حبي، لأخرى، هاوية، تحاول جاهدة أن تدور بي حولها

ألا أعجز عن مساعدة أحد وعدته بالمساعدة

ألا ترتعشي حين أمرر يديك على ندبات روحي

وألا تفسري قولي لك أنني سأكون دائمًا بجوارك، على أنها محاولة مهذبة لإبقاء مودة ما في علاقة ميتة

وألا أتعمد الخطأ في تأويل رفضك لي، على أنها محاولة لتخفيف الاندفاع، وليس قطع الطريق

وأن أندفع في اللحظات المناسبة، دون أن يعرقلني تحفظي الزائد

أن تثيرني امرأة كفتى في السادسة عشر، ويخدعني أمل كطفل غر، وأتكلم بصوت عالي دون أن أتلفت مع كل جملة

ألا يصير كل ما أحبه بعيدا جدًا حتى تصير أحلامي كأحلام الأطفال، وجبة خيالية دسمة لواقع شره وصائم

وأن أنسحب حين أكاد أسقط، دون أن يدفعني شعوري بالمسئولية للاستمرار حتى أنسحق تمامًا

وأن أشعر بالامتنان حين أرى ولدا يخبر فتاة جميلة جدًا بحبه لها، لأنه على أحدهم أن يفعل

وأن أرى شيئًا جميلًا جدا، حتى أشعر بأنه لن يفوتني أي شئ حين أموت

وأريد، قبل موتي، أن أكتب شيئًا ذكيا وجميلا جدًا

ليس لمراوغة الموت بمحاولة الخلود الأدبي

ولا لتمرير وهم حكمة ما إلى القادمين

بل للدفاع عن ما سيصير ماضيًا

أننا لم نرحل، لقلة في الذكاء أو لنقص في القدرة على استيعاب الجمال

كانت لعبة غير عادلة

وليس بوسعنا هزيمتها إلا على المدى الطويل جدا

أن تكون أشباحنا أكثر ألفة وطمأنينة من أطلالها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى