منذ أكثر من عشرين سنة، وأنا أجمع كلمات لرجل يقول دائماً أقل مما يجب أن يقال، أفتش مثل جروٍ جائع عن كل كلمة يحتمل أنه قالها في مكانٍ ما على هذه الأرض، حتى أنني اضطررت لأن انتشل الكلمات التي لم يقلها في حضوري، بالأخص تلك التي خبأها عني وأودعها لدى آخرين، من أعين الآخرين سرقت، وتخيلت كثيراً ما يمكن أن يقوله لو أنه هنا أو هناك على بُعد آلاف الأميال، ولو أنه صار أنا وحياتي حيلته الوحيدة.
كنت فتاة مطيعة جداً للفم الذي لم يقل، الفم الذي حلمت كل هذه السنوات أنه يقول، أنني لا بد قد فقدت أهم كلمة، ربما قالها قبل أن أولد فهو أكبر منا جميعاً، أو أنه حين قالها نهبتها الريح ونثرتها بعيداً عني، لا بد قد قال شيئًا هربوا به المساكين وأطعموا به صغارهم…
الآن كل شيء يتلاشى، وخزينتي منه فارغة، تلك التي كنت سأصوب بها أعدائي، فالرجل الذي خرجت من فمه كنت كلمته الأخيرة والحقيقية، ورثت عنه الصمت والطاعة وأورثني عذاباً سرمدياً لم يكن لأحد قبلي، عذاب اللهاث خلف كلمة لن تقال ابداً.