تعلَّمتُ الموتَ من أمي – يان بين

سونيتات كتبتُها إلى أمِّي في شبابي

هي وحيدة

تجلسُ قربَ البابِ وتتنهد

هي جزءٌ أوسط في رواية

أحياناً تعطيني نقوداً، وتجهزُ لي علبةَ طعام

أحياناً تشتمني

حزنُها لا نهائي، ممتد

تجلسُ قربَ البابِ بانتظاري شهراً تلو الآخر

يخضرُّ العشبُ في البعيد

يصفرُّ العشبُ في البعيد

إلى أن يذبل

ثم أُميِّزُ ظلَّها المُلتحمَ بالبابِ الخشبي

لم تتحدث عن وحدتِها قطّ، ولا عن فقرِها

بل تقولُ كلَّ شهرٍ إنَّها لا تملكُ نقوداً

وإنَّها مُصابةٌ الصداع.

في ضبابِ الصباحِ الكثيف[1]

رحلتُ بقرةٌ من تلقاءِ ذاتِها

وأختي الكبيرةُ تبكي في المنزل

إذ فقدت بقرتَها

ولن يكونَ باستطاعتِها الزواج

في ضبابِ الصباحِ الكثيف

خرج والدي

وكانت أختي الكبيرةُ تبكي في المنزل

لقد فقدت بقرتَها بالأمس

وستصبحُ أختي امرأةً فاسقة

وحلمُها بأن تنجبَ طفلاً على وشكِ أن يغدو حقيقة

ثمة طائرُ وقواق يزقزق

ووالدتي في الباحةِ الخلفيةِ تشتغل

وأختي الكبيرةُ تبكي في المنزل

وانتهت فترةُ صباها.

امرأةٌ متدينة

أغلقتْ البابَ والنافذةَ جيداً

وكانت قد اشترت ما تحتاجُ إليه

وفي غرفةٍ مساحتُها ثلاثةَ عشرَ متراً مُربعاً

رسمتْ نافذةً من جديد

رتَّبتْ المطبخَ جيداً

ضبطت المنبه على الساعةِ السابعة

مُنبِّهاتُ الساعةِ السابعةِ يحلُّ أوانُها سريعاً

إنَّه الصباح

لا تُقاطعْه، دعْ الوقتَ يمرُّ أولاً

في الصباح تُنظِّفُ غرفتَها

بعدَ الظهيرةِ تنظفُ مجرى المرحاض

ويصبحُ كرسي المرحاضِ جافاً

ترفعُ تنورتَها الجديدة

لتختبرَ اتجاهَ الريح

حَسَنٌ الآن، لم يبقَ لها إلا انتظارُ الليل

حين يغمرُ الموتُ الأرجاء

“جميعُ الرسائلِ التي كُتِبَت تُرسلُ إلى عزيزتي إيما”

جنازةُ العشبِ المائي

ذَوَى العُشبُ المائي

وكُلِّفَ الابنُ بمَهمَّة

تنظيمُ الهديةِ الأخيرة

التي ستكون قيِّمةً حتماً

كان أهالي القرية يترقبون

أنظارُهم مُعلقة على التابوتِ الخشبي الملئ بالعشبِ المائي

الذي انطلقَ من مبنى لجنةِ القرية

مارَّاً بدرب الحديقةِ الأبيض

كان الجميعُ يُخمِّنون

لكن لم يرغب أيٌّ منهم أن يقول ما هو حجمُ الجنازة

وجدولُها، ومكانُ القبر

سيُفكُّ لغزَ العشبِ المائي الأخير

لا يزالُ أهالي القريةِ مترقبين

وحُجِزَت أفضلُ غرفةِ في المبنى عند مدخلِ القرية

لأجلِ العثورِ على موقعٍ مناسب

لرؤيةِ جنازةِ العشبِ المائي.

أنتَ رجلٌ لا يشربُ الخمر

سونيتات إلى كافكا

أنتَ لستَ رجلاً يشربُ الخمر

لستَ سكِّيراً ومُتشرداً

تسيرُ في شوارعِ الآخرين

مُرتدياً بدلةً سوداءَ نظيفة

تسيرُ بينهم

مارَّاً بـخيوطِ العنكبوتِ وخطوطِ عبورِ المشاة

لستَ في سوقِ الخضار

ولستَ رجلاً من السهلِ طرحُه أرضاً كذلك

آه، يا صاحبَ القلعةِ والابنِ الأكبرَ لموظفٍ صغير

تنفَّسْ برفقٍ، ولا تهرم

أنتَ الذي لديكَ الخدمُ، والأسيجةُ، والأحصنة

أنت َلا يمكن أنَّ يُدَان أبداً

كافكا، يا عزيزي كافكا

أحبُّ اسمَك، وأحبُّ البابَ الذي فتحته.

أنشودةُ جيمس جويس الشاب

ظلَّ هذا الرجلُ في عسرٍ لمدةِ طويلة

درَّس اللغةَ الانجليزية، درَّس اللغةَ الألمانية

تحمَّل الوحدةَ بعيداً عن دائرةِ المعرفة

كان يرسلُ مختاراتٍ من رواياتِه إلى مسقطِ رأسه

ويطلبُ من أخيه الصغير الذي كان يراسله فقط أن ينقدَ مختاراته

باعَ أسراراً إلى ستانيسلاوس

ليسدَّ جزءاً من نفقاتِ معيشتِه

خانَ حبيبتَه ـــ

لكنَّه ظلَّ يحبُّها

آه، نورا الصغيرة، ليست بائعةَ هوى

كانا يتسكعان معاً

يتجولان في شوارعِ باريس

مُغادرين “فندقَ الأمل”

ولد الشاعر يان بين عام 1981 في مقاطعة خونان. صدر له عدة دواوين شعرية منها: (جنازة المُعلّم) و (بحيرة الملك).

[1]ـ القصيدة مستوحاة من قصة خوان رولفو (لأننا جدُّ فقراء). والقصة ترجمها صالح علماني.

* يارا المصري: مترجمة مصرية عن اللغة الصينية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى