ارتدت قميصا أبيض فضفاضا، تتوزعه تفاحات خضراء عشوائيا: واحدة عند الكتف، واثنتان متجاورتان على الخاصرة، وثلاث متناثرة حول الصدر، وتفاحة وحيدة غير مكتملة، على كم القميص.
أما نصفها السفلي فلفته تنورة أكورديونية، تصل الى الركبتين.
طلبنا للعشاء طبق “ثمار البحر” على ضوء الشموع، كما أرادت، على الرغم من أنني كنت أفضل الدجاج المشوي على الفحم. أو سمكة هامور محشوة بالبقدونس، أو صحن روبيان مقلي.
كنت سأصارحها بذلك، لولا أنها بدت لي عارفة ما تطلب.
وفيما كانت تتحدث، جعلت التفاحات الخضراء تنساب من جانب الى آخر، على قميصها، متبادلة مواقعها، فيما راح الشاطىء يرسل شخرات خافتة، متباعدة.
قلت إنني لا أتخيل نفسي وأنا آكل ثمار البحر. وإنه لأحرى بشخص مثلي أن يلتهم التفاح من على قميصها، فضحكت وهي تسكب لنفسها كأسا. ولجزء من الثانية، خلتُ أن تفاحة الكتف ستسقط في حجرها.
أدار أحدهم جهاز صوت، فانطلقت الموسيقى هادئة من كل ناحية، واختلطت بالهواء. وحمل نادل طبق مشويات الى عائلة مكونة من رجلين وأربع نساء، على بعد طاولتين، فاختلطت الرائحة بالهواء والموسيقى.
قلت لها إنني لا أشعر بالرغبة في تناول ثمار البحر.
– انتظر حتى تجرب.
أوصتني بثقة، متجاهلة الهيئة التي اتخذتها ملامحي وأنا ألفظ العبارة الأخيرة، ثم طلبت مني أن أراقصها.
راقبت الثمار الخضراء تسبح على بدنها، كأنها تنزلق على سفح ثلجي. وكلما رفعت يدها عاليا، أوشكت تفاحة الرسغ على السقوط، أو كادت تفاحة الكتف تفقد توازنها. فيما كانت تفاحات الصدر تتقارب وتتباعد، بين وقت وآخر، كأنها تؤدي رقصة خاصة.
ظلت ذراعاي جامدتين، في البداية، بسبب النظرات القوية التي حاصرتنا. لكن، سرعان ما أخذت الحماسة فتاتين، فشاركتانا الرقص. وخلال دقائق تبعهما أشخاص آخرون.
أشارت الى نادل عشريني يجر عربة صغيرة أمامه، كأنها تدله على موقع مائدتنا، ثم سحبتني من يدي، وأعادتني الى مقعدي. وما إن تخلى الشاب عن صحونه البيضاء، وجر عربته مبتعدا، حتى اختارت صدفة صغيرة، من أحدها، وفلقتها بين اصبعين، ثم طلبت مني أن أقلبها في جوفي دفعة واحدة.
نظرت الى السائل الفضي اللامع في يدها مترددا، فكررت بحزم:
– هكذا. دفعة واحدة.
استغرق العشاء نصف ساعة تقريبا. الشموع حافظت على قوامها، أما البحر فقد تباعدت شخراته أكثر فأكثر، إلى درجة أننا لم نعد نفكر فيه..