-1-
هدوؤنا حلو وأزرق ومتألم في هذه الساعة.
كل شيء بطيء كالثور الماشي على الثلج
كل شيء لين كأعناب الكرمة.
عزلتنا هائلة كالوجود. عميقة كطعم الثمار المفعوسة.
عزلتنا لا تنتهي في التعب.
ليسه خطأ, البطء. وفي نفوسنا لا يسكنوا شهداء المعرفة.
في أحراج التوت البعيدة تعشش عصفورة الزيت التي تولد من النهار. أحياناً أشعر بظمأ أحمر. عزلتها حلوة تماماً كما عزلتنا
بطئها ليس خالياً من الروتين…
-2-
في المصدر كانت الزهور المشتعلة امتدادات المياه
وعناقيد التمر المرة.
بالتأكيد تلك اللحظة كانت الوحيدة المستحقة الذكرى.
وإذا القطيعة تنمو على حافة الرغو لبئر التاريخ. حينما
اللهيب يتلملم تحت القناطر الحجرية, لأي غرض نمضي إلى
قلب الفولاذ الذي للزمان؟
كيف نحصن النفس في يوم معرفة مواهبه تجن؟
أشواك البرية لن تتمكن من خرمشة الكلمة الأولى
وجراح البخار الذي تصاعد من الذعر
وانغمست في عمق التعبير لن تشفي المطر.
فهاهنا تولد للنسيان الرمال المتنقلة.
فهاهنا, في الحامض الجامد لأولى قبلاتها, قبلات الأنثى
التى تألمت بطنها من كثرة الآسى, ترتج العصفورة المتسترة
عن النظر. عصفورة القفر.
ومع ذلك أحداً لم ينزل إلى رحى الطواحين ليشرب المياه المرة
أحداً لم يذكر صرخة البداية.
مع الكلمة الأولى ولِد الفزع. ومع الفزع اشتعلت أوراق
المعرفة والنسيان.
ولكن لا تكفي إنحنائة الهامة كما عبّادة شمس اللذة.
لا يكفي ازدياد جمر الحريق الآخر.
الشريعة الأولى محفورة على رقة الطوب
وهناك شفاء منظم لحالة الإنهاك.
لذا نفس الحالة تكون إذا الطبيعة تهشمت قبل الآوان.
أو أحراج حمراء سدت المعبر من الأطراف.
تأتي لحظة فيها لا يستعمل الشَّك بعد كالنقود.
تأتي لحظة فيها الهدوء الحلو والمثلج يتملص كالقط
من الفوهة الضيقة للفزع.
وإلى أن تاتي تلك الساعة, ساعة الجوز الفارغ والثنايا
تمحى الأدلة المحفورة على الخزف؟
لذا لن تبقى إمكانية للعودة: من المستحيل أن تقطع في
يوم واحد غابات من الأشجار الفارهة.
-3-
لا شيء يتغلب على الإستسلام السميك هذا المساء.
كل شيء هاديء أمامي: اللقالق التي علت إلى جزيرة السكون
والبساتين المزهرة من عبر سكة الحديد الممتدة.
في حمّيات قديمة, قديمة لدرجة حتى الألم لا يستطيع الوصول
إليها, يحتمي الزمان ورتابته تمطر مطراً كبريتياً وأزرقاً أكثر من
النسيان.
كالعشب ينمو بين السيوف , ويتغذى فقط من العزلة. لكن
رغم ذلك كيانه حلو كرغوة الزبدة.
رغم ذلك. لا تنصبوا أمامه علامات إستفهام صفراء
ولا تطالبوا بآلهة من الخِرق في المكان الذي فيه
ماء السخافة فقط.
الكل يعلمون ليس للزمان عظمة أخرى سوى إستسلامه.
-4-
أصْلي من عناصر رعاة فقدوا حريتهم عندما فقدوا قطعانهم
وبراريهم.
لمدة زمن طويلة رعى أبائي قطعانهم في الديار التي يكثر
فيها الصمت والأقحوان.
ولم يكن لهم الاه آخر سوى وجودهم . ولا ذاكرة أخرى
سوى النسيان.
ما زالت ساخنة الحجرة التي شربوا فوقها دم كرومهم
حين هبوط المساء. ولكن ما أبعد ذلك الشيء, إذ ما زلت
أتذكر.
ما أبعد عني ديار منابع الزمن, الوطن الذي ولد فيه الإنسان
وانتهى في نفسه كما زهرة على الماء.
إنهم لم يدركوا عظمة النار, ولا افتقار المحبة
عند شجر يفتقد العصير.
كانت هائلة مخازن فقرهم. كان البطء في جذور لبهم
وفي هدوئهم جمعوا لأجلنا نقوداً خضراء من الأمل.
ولكن لحظة العودة إلى لا شيء وصلت عندما بدأت
الثيران الخانعة بالإنهزام. ومحاصيل عزلة وعشب شقت
مصيداتهم.
الآن يرعى قطيع الريح في ديار النسيان.
وثمة شيء عميق يعزلنا عنهم.
شيء ما عميق جداً ومقفر
كما حفرة مفتوحة وسط القلب.
*
ترجمة : فرج بصلو