الساعة النحاسية العتيقة ليست معلقة على الحائط
إنها تخبئ وراءها شرخا عميقا بالجدار
..
الزمن كما يبدو فى لوحة دالى،
لا يسيل مثل زيت ساخن من سمكة مقلية،
ما تزال تنظر للحياة بعينيها المرعوبتين..
ولا يمكننا من خلال التجاعيد قياس كيف مر العظم سريعا من مجزرة الانكسارات..
…
الزمن محنط
مثل كف نحاسية غليظة معلقة على باب خشبى عتيق،
لا شئ هنا فى الداخل،
ولا أحد.
(1)
مدرستى الابتدائية التى برزت كحدث درامى فى حلم لم أعرف أبدا كيف بدأ
تحولت إلى مقبرة صغيرة تتسع لكل زملاء الدراسة.
أمشى فى الطرقات الفاصلة بين الفصول
مثل حروف آلة كاتبة متآكلة،
لا أتقن قراءة أسماء من كانوا هنا،
ربما لأن الذاكرة تخسر أرشيفها القديم،
للتخلص من عضة الزمن الشرسة على اللحم الأزرق..
لئلا تترك ثقبا فى القلب، تهرب منه دماء الطفولة، إلى أطراف الأصابع
التى كنت أمسك بها خبز الوقت طريا وأنا أخرج مبكرا للعب فى الحوش الترابى القديم …
كل الجثث هنا محفوظة فى ملحها العاطفى؛
وحدها العاطفة لا تفقد مرارتها بفعل النسيان،
حتى الملامح التى نسينا تفاصيلها الصغيرة
يمكن إستعادتها ببساطة حين أنظر لوجهى فى المرآة
وأنا أترك الوقت ينحت وجهى بدقة،
ويحفر داخلها،
وجوه جثث..
تركتها مدفونة تحت الجلد!
(2)
كان أبى نجارا،
مهنة تعرف جيدا كيف تصنع سلاما مؤقتا مع الطبيعة
هدنة لخروج جثث الأشجار من غابة الوقت،
أنسنة العالم،
كيف تتحول الأخشاب إلى رئة إضافية للغرف المغلقة على ألمنا اليومى،
عزلتنا فى مواجهة دببة الأساطير،
تصدعنا الداخلى ونحن نمزق الأمعاء لخروج أجنة جديدة،
كيف نوازن القتل اليومى بولادة أطفال قادرين على اللعب بأجساد الأجداد المتعفنة مثل دمى قديمة بسيطة بتصنيع منزلى ..
؛
نحن اللذين نحنط الآباء فى حدقة الرعب..
ونزرع عاطفة الأم الغريزية كصبار فى نافذة الحرب،
ونحن نوزع أعضاءها المقطعة كميراث شرعى بالتساوى على إخوة تبادلوا المنافى كبديل لعائلة زائفة..
ونعود اللسان على تذوق عفونة الكراهية
ونحن نأكل الورد المخزن
فى الأدراج القديمة..
؛
الزمن ليس دائرة
لا يبدأ من نقطة تكوين العالم وينتهى عند قيامة مؤجلة.
يبدأ العالم بأسطورة وينتهى بأسطورة،
حكاية بسيطة تناسب العقل لتبرير كل تلك الأسباب المعقدة للحياة
الأسطورة لتحويل الحياة إلى معنى
وجود جحيم أخروى يناسب الشر الفوضوى
كعقل بديل عن الخير المنظم.
(3)
تعريف المتاهة :
أن تدخل البيت كذيل فأر مدرب على الموت اللانهائى فى محاولة لاصطياد سبب للجوع،
أن تخرج من البيت،
كسبب وجد منذ البداية لتبرير وجود للبيت..
البيت مسافة غامضة
بين الإشارة والوصول!
المتاهة فخ عقلانى لحبس اللغة داخل تناقضها البدئى
(4)
سأخرج،
من كل علاقاتى الفاشلة بالحياة..
من مرورى الدائم على مدرستى الابتدائية القديمة
وانتظارى خروج حبيبتى بوجهها الطفولى
حتى دخلنا فى شارع ما
ولم نخرج منه..
من ورث أبى الذى وضعنى مثل دودة مطيعة فى بيت عائلى ممتلئ بالقتلى،
من رائحة الأخشاب التى تخلق توازنا بين الطبيعة وغريزتى الوحشية،
من أمى التى ما تزال تحيك لى قميصا طفوليا منذ خمسة وثلاثين سنة..
ولم تصل حتى الآن للأكمام
التى يسيل منها الخوف،
بقايا اللحم المهترئ،
العظام الهشة الحادة الأطراف،
الوحشية التى تربت بداخلى كبومة عمياء،
الوقت،
هذيان القتل العشوائى للذوات التى تهرب من فصام الداخل،
الأبيض الذى يلون العالم بغبار الفراغ،
جنون القيامة،
التئام جرح عميق فى اللحم،
هدم المتاهة بكاملها ..؛
وترك الحياة تنكشف مرة أخرى
بأسبابها الفطرية البسيطة جدا
كحلم ..
لم يبدأ بعد !