لأنّ البحر الميت أعتق رهائنه، فإن مذاق الملح شراع ومنجاف…
لأن عصابة من الأسرى الرومان، تنكروا في ثياب أسيادهم،
تمكنوا من الهرب، عبر القارة…
لأن مخطوطة من الكلمات الشمعية، أشعلت النار في
دير الرهبان
لأن الشمس التهمت (الغابة السوداء)، وطواحين الهواء
عجنت الفلاحين في الثرى، وعلى الهواء، وفي
صرخة الفتى الراعي: الذئب، الذئب…
لأن الجمهور، وسوس في فضاء المسرح الخاوي،
واستسلم المُلقن في سبات عميق،
واختبأت «ديفا» في الحفرة
لأننا ارتضينا ان يُغيّر السلك الشائك، ملامح وجوهنا
الخشبية، والسياجات…
لأن صرخة ما، تركت آثارها على أنقاض الهواء،
لأنني اقتفيت آثار تلك الصرخة، في الغابات،
وذابت يداي في الدخان والمطر،
لأنني هِمت على وجهي أياماً وأسابيع، حتى وجدتها
خارج المدينة المسوّرة، وقد هجرها سكانها لمئات من السنين
لأنني عجزت عن تسلق الجدران،
ولم أتمكن من ايجاد درب أعود الى وطني، عبرها،
أقمت محاذاة، نهر في الصحراء…
لأن النهر غيَّر مجراه، فتقوّضت شواطئه، وتحولت
لأن النهر غيَّر مجراه، تقوضت شواطئه، وسقطت على ركبتيّ
واجماً، مذعوراً…
لأنني كلما قطعت المسافات، في الصحراء، أواصل التحدث
مع نفسي
لأنه لم يسبق لي وأن كنت في الصحراء
لأنني أرفض اقتفاء أي أثر، لا معالم واضحة له
لأنني لا أثق في العلامات ودلاّلات الطرق
واشارات البحر واليابسة
لأنني نَبشت الخرائب أثناء زيارتي الوحيدة
الى المدينة العتيقة
بحثاً عن جرار الفخار والأدوات الحجرية
لأنني أُنذرت ألا أعود اليها ثانية…
لأنني لا أُبالي بالانذارات وتعليمات الناس
ولا آخذ بنُصح أحدٍ، سواي…
لأنني أحب أن أصرخ: الذئب… الذئب…
لأن كل ما أقرأه، له رائحة الدخان…
لأنني أستيقظ ليلاً، في بعض الأحيان،
لأجد شرشف النوم قد لفَّني كشراع
وغطّى الملح يداي…
لأنني لا أستطيع أن أجزم، إن كانت هذه هي
الصحراء أم البحر،
ولم يسبق لي أن تعلمت كيف أقرأ طالع النجوم
أو الى أين أتّجه
بفضل ذلك كله… وأكثر،
فإنني أُخبئ اسمي في البئر،
وأملأ كأسي، هنا، ثانية…
(معارضة شعرية لإحدى قصائد الشاعر اليوناني يانيس ريتسوس)
كريستوفر ميريل
* شاعر أميركي، ذائع الصيت، حاز على جائزة الشعر من «أكاديمية الشعراء الأميركيين». وصدرت له أربع مجموعات شعرية… وله مجموعة جديدة تحت الطبع، تُرجمت قصائده الى عشرين لغة، يرأس مؤسسة «برنامج الكتابة العالمية»، ظهرت قصيدته «لأَن» في مجموعته الشعرية بعنوان «راقب النار».
(ترجمة نويل عبدالأحد)
الحياة – 27/06/07