وداعاً ميشو

(1)

من كنت

أنا مسكون.أتحدّّث إلى((من كنت))، و((من كنت)) يتحدثون إليّ.أشعر أحيانا بالضيق، كما لو كنت غريباً.إنهم ‏مجتمعٌ كامل يحدث ألا أسمع صوتي فيه.‏
أقول لهم:انصرفوا.نظّمت حياتي.لم أعد أقدر أن أعير خطبكم سمعي.لكلٍّ حصته من الزمن:كنتم، والآن، أكون.‏
‏((انشُرني))، يقول أحدهم ((أرجوك، ((انشرني)).
آه!تصوّروا!إنّ في داخلي لمجانين حقاً.
عشتم سنة أو سنتين تحت ‏جلدنا المشترك، وها أنتم تسّنون لي القوانين، انا الذي أكون الآن!.‏
((لا أريد أن أموت))-يقول آخر.((تحدثْ عمّن كنت)) .(( لا أريد أن أموت))، ومع هذا فلهجته مفعمة بالشكوك. ‏هكذا ينخدع الانسان. هكذا تفوتنا أشياء كثيرة.ترغب بكتابة رواية، فتجد نفسك تكتب في الفلسفة. لا ‏يكون المرء وحيداً في جلده!.

(2)

غشيان أم الموت قادم؟
لنستسلم يا قلبي
ناضلنا بما فيه الكفاية
ولتتوقف حياتي.
لم نكن جبناء
فعلنا ما نستطيع.‏
قرّري يا نفسي
أنرحل أم نبقى؟
ينبغي أن تقرّري
لا تتحسسي أعضائي هكذا
تارةً ((بانتباهٍ)) وطوراً بشرود.‏
أنرحل أم نبقى؟
ينبغي أن تقرّري.‏
أنا لم أعد استطيع
يا أسياد الموت
أنا لم أجدّف بكم، ولم أصفق لكم.‏
أشفقوا عليّ، أنا الذي سافر طويلاً بلا حقائب
بلا سيّدٍ أيضاً، و بلا ثروة، والمجد رحل بعيداً عني.‏
انكم أقوياء بلا شكّ ، و قبل كل شيءٍ طرفاء
رحمةً، إذاً ، بهذا الرجل الطائش الذي قبل أن يجتاز‏
الحاجز يصرخ لكم باسمه، فاخطفوه
سيتطبّع، لو استطاع، بمزاجكم وعاداتكم،
واذا ما طاب لكم أن تساعدوه ، فأرجوكم أن تساعدوه.‏

(3)

مجرّد نقطة

ما الانسان في كيانه، الجوهري، سوى نقطة. هذه النقطة هي ما يبتلعه الموت حينما يقبل.على الانسان، إذن، أن ‏يحرص على عدم الوقوع في حالة حصار.‏
ذات يوم، في الحلم، أحاطتني أربعة كلاب، وصبيّ شرير كان يقودها.‏
سأتذكر ما حييت العسرَ والصعوبةَ الغريبة التي تحسّستها في ضربهم يا له من جهد! من المؤكد أنني كنت ألامس ‏كائناتٍ، ولكن من كانت؟ على أية حال، أبدْت خصومي جميعاً، لم أجعل نفسي تنخدع بمظهرهم، وصدّقوني:هم ‏أيضاً لم يكونوا سوى نقاطٍ، خمس نقاط، ولكنها شديدة القوّة.‏
شيء آخر:هكذا يبدأ الصرع.تتقدم النقاط حينئذٍ وتصفّيك.تنفخ عليك، فإذا بك مغزوٌّ من كل جانب.
أتساءل: ‏كم من الوقت يمكن أن يرجيء الانسان نوبة صرعه الأولى؟
‏(4)

حياتي
ترحلين دوني يا حياتي
وأنا أنتظر بعد أن أخطو خطوةً واحدة.
تنقلين المعركة إلى مكانٍ آخر.‏
هكذا تهجرينني
وأنا لم أتبعك أبداً
لا أفهم شيئاً من عطاياك
القليل الذي أريده لا تعطينه
بسبب هذا القليل الذي ينقص أهفو إلى الكثير،
أهفو إلى أشياء كثيرة، وربما كانت لا نهاية لها بسبب هذا القليل الذي ينقص، والذي لا تعطينه أبداً.

هنري ميشو
عن مجلة الكرمل العدد(15) عام (1985)‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى