ربما كانت تلك هي المشكلة
أنني واضحٌ كَسِكِّيرٍ وَقِح
ولا أحبُ من يخلطُ الماءَ والخمر
تكتبُ لي رسالةً على الخاص كعادتها
تسألُ : كيف حالك ؟
أجيب : الحمد لله .. بخير
تُصدِّقُ هي دائماً أنني بخير
وأن كل شيءٍ باتَ على ما يُرام
لا قطيعَ ذئابٍ يمكنُ أن يجتازَ دمي
ضوءَ سيارةٍ عابرةٍ تخمشُ حنيني
رصاصةً طائشةً تُدمي ذاكرةَ الصمتِ في روحي
لكن لابُدَّ أن أصغي جيداً
هي الآن تسترسلُ في الحديث عن نفسها
منجزاتِها الكثيرةِ ونجاحِها في الحياة
الناسِ والمدنِ
لصوصِ الأنظمةِ الحاكمةِ
لا تنسى قبل أن تُغلقَ صُندوقَ رسائلِها
أن تُلقي بعضَ النصائحِ الأمومية
اعتنِ بنفسكَ .. تَفانَ في عملكَ .. أحببْ عملَكَ يُحببك
أُرسلُ لها ابتسامةً عريضةً وقلباً أخضر
كتعبيرٍ عن امتناني لمحبتها
وأحتفظ بحقّي كاملاً في الشخبطة على وجه العالم
بمراقبةِ عصفورِ يَمُرُّ بين جنازةٍ وحافلة
بمطرٍ يغسلُ الأحياءَ الفقيرةَ في قلبي
كي تهجعَ الكلابُ المتناحرةُ هنالك
أدهسُ – واحدةً تلو أخرى – نملَ الأفكارِ الزاحفةِ على روحي
جميلٌ أن تؤمنَ امرأةٌ حسناءُ بأنكَ بخير
بتواطؤٍ حميم مع قلبها تُصدِقُ أنها تُحبّكَ
تُورِّطُ كلماتِها في بحرٍ من الرمالِ الناعمةِ إلى أن تغرقَ
ماذا لو أجبتُها مثلاً : لستُ بخير .. مِصرُ بلدٌ ملعونةٌ وعاهرةٌ
مُهينةٌ وبلا قلب ..
وأننا فيها مجرد موتى .. يحلمون بالحياة
وأنني كثيراً ما لا أحب مِثاليتكِ المُفرطةِ
ورفضَكِ الأعمى لإباحيةِ كلماتي
ومع أن هذا لا يعني مطلقاً أنني خائنٌ للوطن
أو لحضورها في قلبي
ولا يُشيرُ بطريقةٍ أو بأخرى إلى أنه من السهولة بمكان
أن تُنزَعَ محبةُ بلادي من كل نقطة في دمي
إلا أن رَدّاً كهذا جديرٌ بأنْ يُغلقَ جميعَ أبوابِ رُوحِها في وجهي
تطردني من قلبها كما يُطرَدُ قِطٌّ ضريرٌ من بستان فاكهة
لن تأخذَ وقتاً طويلاً لتَقلِبَ وجهَ العُملةِ الذي يُجسِّدُني
من المسيح إلى يهوذا
نحنُ دائماً متورطون في حياةٍ لا تُمثِّلُنا
نحتفظُ بها كثوبٍ قديمٍ خشيةَ أن نتعرى يوماً
كما تحتفظُ القصورُ المهجورةُ ببعضِ الشموعِ
وَلَاءً لموتاها
على هذه الوتيرةِ تنسجُ الحياةُ تفاصيلَها
عليَّ إذاً أن أُصدّقَ دائماً أنني بخير
وأنني حققتُ المزيدَ والمزيدَ من أهدافي
تجاوزتُ فكرةَ الخوفِ من موتي المفاجيء
التفكيرَ في غدٍ تنتظره الشيخوخةُ والمرضُ
ولا مالَ لي يمكنُ أن أستندَ إليه
وأنه لا يقلقني أبداً مصيري .. ولا مستقبلُ أبنائي
كِفاحيَ اليوميَّ من أجل لا شيء
عليَّ أن أُصدِّقَ أن هذه المرأةَ تحبني بكل جوارحها
أعتنقَ كل هذه الادعاءات الكاذبة بلا تَردُّدٍ
أتمثَّلَها كما لو كانتْ حقيقةً
أعيشَها
كَصَلاةِ جنازةٍ اضْطُرَّ أن يؤدّيها
– خَجلاً من المُعزِّين –
شخصٌ ملحدٌ .
486 دقيقة واحدة