الرَّغبةُ – وديع سعادة

مُسقطُ الرغبات بلغ الهدف. فلا رغبة في مشي بعد، ولا في وصول.

أليس الوصول هو التخلّي عن رغبة الوصول؟ أن تصير بلا رغبة في شيء، فقط المقعد الصغير الذي تجلس عليه ربما، أو الشجرة أمامك، أو الفراغ الذي بلا مقعد و لا شجر؟

أليس الوصول أن تبقى حيث أنت؟ أن يكون هدفك مكانك بالضبط، حيث أنت هنا و الآن؟

أن تتجاوز الرغبة، أليس هذا هو العبور العظيم؟

الرغبات تُفسد النزهات. لا يعود أصحابها يرون جمالات الطريق. تصير عيونهم في مكان آخر. في مكان الرغبة، التي لا تستقر في مكان. الرغبة اللامكان لها. يصيرون في الغائب، المستلَب، غير الموجود. يصيرون في اللامكان.

الراغبون يقيمون في الملغيّ.

هل يمكن بناء بيت في غياب، وضع كرسي في عَدم؟

الرغبات تصنع حفرًا في الروح، تصنع جروحًا. هل يجوز وضع مقعد في جرح؟

إذا كانت الجروح التي حفرَتْها الرغبات على مدى التاريخ، وتسيل منا دمًا الآن، لم تبلغ مستواها بعد ولا هدفها، أيكون مطلوبًا إذن صنع طوفان جديد من جروحنا أم دَمْل الجروح؟

هل يجب تهشيم الروح والجسد في الممرات نحو الرغبات المستحيلة، أم الجلوس والتمتّع بمشاهد الطريق؟

أيجب طلب غائب أم الفرح بعدم حضوره؟

وإن كان لن يأتي، ولن نصل إليه، هل نعيش غياب انتظاره أو نعيش حضورنا في غيابه؟

ثمّة رقص على الدرب لا يراه الراكضون. رقص يعرفه الجالسون. ثمة رقص خفيّ في الجلوس.

الساكنون يسمعون وحدهم الأغنية. الضاجّون طرشى ضجيجهم.

في السكون غناء جميل. في الصمت دهشة أصوات. حين تجلس وتصمت تكون تخترع أوتارًا جديدة.

وولادات، لا تصرخ حين تولد.

وميتات، لا تأسف إذ تموت.

ورقصات، تنتشي من سكونها.

ومسافات، تقطع الدروبَ وهي على مقاعدها.

ومزهريّات، تعبق من فراغها.

في السكون أرض جديدة. والسماء تبزغ من العيون المغمضة.

أحيانًا ينشر الجرح صيفه على البيوت، فتُخرِج نقاطُ دمٍ كراسيها لتستظلَّ الشجر.

أحيانًا تَخرج نقاطٌ إلى النزهات ولا تعود إلى العروق. أحيانًا، ييبس الدم على الباب، أحيانًا يضيع، ودائمًا ينزل في غير مكانه: على تراب، على حجر، على جلد، على قماش، وليس أبدًا على هدفه. فهدف الدم، على الأرجح، ليس الخروج، بل البقاء في مكانه.

الخروج من مكان ليس نزهة، ليس بلوغًا، إنه ضياع.

والرغبات التي تُخرجنا من بيوتنا لا تمنحنا ظلاًّ ولا نزهة. النزهات تشرّدنا على الدروب، وتترك منا عظامًا في المجاهل.

هل أقول لا ترغب؟ وكيف يكون ذاك؟ أليس كمن يقول لا تكنْ؟

لكن، أبالرغبة كون أو يولد الكون خلسةً في غيابها؟

هل يقيم الكون في الرغبة، أم يبدأ من النقطة التي بعدها، من الفسحة، ويمتدّ في فراغٍ عظيم؟

أن تكون حقًا، هو أن تسعى إلى ملء نفسك بالكون أم أن تفرغه منك؟

والهدف، هل تبلغه إن سعيت إليه أم إذا ألغيته؟

ألا تكون وصلت إذ تلغي الأهداف؟

إن بلغتَ رغبةً تلد لك رغبات. فالرغبة إن بُلغت تكاثرت. ولدتْ أطفالاً مشاكسين. وتركض أنت، تركض ولا تبلغهم، إلى أن تلفظ الأنفاس.

اقعدْ. لا تلهثْ على الدروب.

إلغِ الدرب، تصلْ.

زر الذهاب إلى الأعلى