أنبياء الفقر في كلِّ الأماكن (من الشعر السوداني) – الصادق الرضي


جثَّتي على النهر

القتلة يرقصون على جُثَّتي
كنتُ أحظى بما يَكفي من الفرح
قبل الرَّصاصة الغادرة!

كانت الساحة مُكتظَّة بالحلم والأمل
أظنها لا تزال وهي تحدث عن دمي
لا يزال الحلم والأمل
في ميدان الاعتصام ملهماً
الصبايا والفتيات- الأمهات والزغاريد
صنع الطعام؛ والصبية وهمَّة الشباب
كلُّ شيء؛ يثير شهية الحياة!

الأغنيات
الرسوم البهيجة؛ والتعاويذ؛ والدعوات
كنتُ أبهى وأنا أتجول في ساحة المهرجان
أزهو- وهو ترابي
أزهو- وهو وطني
وأنا كلمة السر نحوها ونحوه
زر أنا سيد المكان والإمكان!

لا تزال جُثتي على النهر
أنصتُ عميقاً لطرق الرفاق على النفق
وعلى جسر الحديد- كيفما اتفق
أُصغي لهديل الحمامات
ذوات العبق- وزغاريدهن أبهى ما يكون الألق

لا زلتُ أنتقي الأنس وأنا موغل في الغَرق!

جُثَّتي على النهر- لا تزال
ولا زلتُ منصتاً وبهيجاً بصوت الرفيقات – الرفاق
لازلتُ مبتهجاً بالعناق
نسيتُ هدير الرصاص الهطيل وغدر الجناة
لازلت أصغي لزغرودة- فيصل بين الحياة وبين الممات
أعيشُ على خيطِ عطرٍ طَفيف
لا أزال أعيش وجثَّتي على النهر
تعيش الحياة!


سورة

النيلُ يمضي هادئاً
ينساب في صمتِ المدينة
واحتراقات القُرى
والأصدقاء الآن
لا يتبادلون تحية الصُّبح
ولا يتعارفون
وأنبياء الفقر في كلِّ الأماكن
يرشفون الشاي والحزن
ولا يتحدثون
يخبئون الموتَ في أطرافهم
ويوزّعون الصبر للأطفال
ينتشرونَ في الأشجار عَبْر الأرض
ينتحرونَ في الليل احتجاجاً
ثم ينتحلون عَقْلَ زُجاجة الخَمر،
ويفتعلون حرباً في النساء،
ولا يُقيمون الصلاة
ويرحلون.

تصعدُ الجدرانُ في اللبلابِ
والخرطومُ جالسةٌ على مقهى تدخّنُ
استوى في الليل قطاع الطريق
وعابرو نصفِ المسافةِ
هل يكون الشارع الآن امتداداً
لاختناق الليل بالعربات والعهر
وكنا عاشقيْن، نفتّش الأطفال
والأطفال في رئة المخابز.
يسرقون النارَ

ـ ما اسمي؟
ـ أسميكِ احتراق الأرض، فانتفضي
ـ وما طعم الرماد؟!
-……………
افترقنا!


كتابة الدم في رثاء الحبيبة

واقفٌ في الدَّم النبويّ الشَّهيد هل تجيد البكاء؟!
مُحاولتي للتجوُّل فاشلة
تركض القاطرات إلى المدن المعدنية
والحلمُ منتظرٌ
تذهب المرأةُ الصابرة
وعلى درجات الحريق تكون السنابل آخذة
في الصعود إلى تربة ناسفة.

كيف يفترق العاشقان؟!
شارع النيل مستند
في المساء الحزينِ
على خشب المركب المتآكل
والشجر المتبرّجُ
ينظر عبر ازدحام الفنادقِ
للعربات الأنيقة والسُّوقةِ الوسخين

أقول غداً التقيكِ علانيةً
وأغيبُ بجوف الظلام الكثيف.

بيننا لغة من بكاء
نتعرَّى على الرَّمل
في زمن الجوعِ والخوفِ
نكشف عن سوءة الجرح بالنزفِ
نطلق للريح ساق الدم المُستفاد
نهرب أغنية في ثنايا جنازتنا
هل يراقبنا شاطئانِ
وفي البحر وقت لعاشقة، ومرايا،
وقبضة روحٍ لعاشق؟

المدينة لنا أن نحدث عن كُوَّة
لشعاع النهار بسور وللصبية الرقص ما أمكن الضوء
إني أرى صورة الفجر
في دفقة العشق، في صدركِ الخصب
أبصرُ شيئاً من السحر
يزحف صوب الحقول الجديبة
وهي تهيء للعرس زينته
ليس للأرض أن تتحرك
إلَّا على ما يشاء لها عاشقوها!


*نص: الصادق الرضي
*من كتاب: أَقاصِي، ومن موقع: sudaneseonline.com

زر الذهاب إلى الأعلى