فشلتُ في حبِّك أيتها البلاد – عبد الله فيصل

أشخاص:
بلدان:

الآن أعتذر لأني فشلت في حبكِ أيتها البلاد، الألم الذي أتذكره عنكِ ما هو إلا خطأ أحدهم أو خطؤنا بالكامل. قلوبنا المدججة بالغضب سببها عيناكِ التي كانت تحرسنا بالخوف، يدكِ التي حاولتُ التمسك بها، كانت ناعمة لدرجة الإفلات، كتابكِ الذي قرأته وجدتُ في منتصفه الوردة اليابسة لأعمارنا، أهديتينا الفاكهة مع الشوك، أرسلتِ الفاتورة مع العجز على تسديدها، المكان الرائع مع الحرمان من التواجد فيه، كومة القش دون الإبرة، المشاة دون الجسر، القصر دون بوابة مفتوحة للتسلل إليه، البوابة المفتوحة وعليها الحرس، الرحلة ولا يوجد من يقودها، الذي يقودها ولا نعلم إلى أين.

لا نستطيع الاستمرار في الحياة إلا لطفاء وأنتِ غمرتينا بمياه قسوتك. لا نرى العيش إلا معاً وقد تركتينا وحيدين. قدمتِ لنا الأغنية وسلبتينا الإحساس بها، الإحساس ولا نعرف من يستحقه، الشجرة وليس بها غير الغصن المكسور، الغصن المكسور دون طائر يقف عليه، والأرض التي لا أجد حجراً لأنام عليها. وحين أقول سأحبك اليوم أو غداً، أقول لنفسي تمهّل ربما أنتِ من علمتيني الخوف.

شاهدتُ أفلاماً كثيرة عن الحب حتى أحبكِ بالتقمص، في الباص حتى أتعرف عليكِ بالسرعة ذاتها، في الشارع حيث يُطلب منكِ الالتفات، في المساء حيث الاستقرار. يمكن أن أقتلع أظافري من أجله، عن الاختطاف حتى أعرف كيف أغمضوا عينيكِ، وعندما أُغمض لا أرى شيئاً، لأنني تعودت على عدم الشعور بالألم مثلكِ، عن الجريمة لأمتلك السلاح للدفاع عنكِ، لكن ينتابني وعي بأننا قُتلنا جميعاً معكِ، عن الخيال لو أنك لستِ حقيقية لكني أجدكِ الوحش الذي يحتاج العناق. أشعاراً حتى أحبك بالكلام، لكنه لم يعد هناك متسع للغة جديدة، كوميديا لنضحك حين يحقن كلٌ منا نفسه بالبكاء، ولكن لُعاب أفواهنا ممزوج بالدم.

يالهُ من جهدٍ تملكين، حين تظهرين في شاشة التلفاز. أودُّ لو أُقبّلكِ على الجبين مثل الميّت، لكن للأسف ستعيشين معنا للأبد، يا لها من أيام التي نحتفظ بها على البال. لكن لا نستطيع أن نوقظ الباب الذي لم يعد موجوداً بمفتاحنا، هذا البيدق الذي نملكه ونطلق عليه الحنين لا يمكننا إعادته للوراء. حين أسمع صوتكِ في الإذاعة ترددين كلماتكِ الخائفة، أشتمّ رائحة القيد، وأشعر كما لو أنهم طلبوا منا فدية، أوصلوكِ عبر الصوت لأنكِ بعيدة، لأنكِ لا تستطيعين أن تأتي إلينا وحدك.

عشتِ قبلي أيتها البلاد، مات ملايين الرجال من أجل صندوقكِ، مضمخين بالدماء والعرق، بالمحاولات التي لم تعد أبداً إلى رؤوسهم، وعكازاتهم التي لم تقدر على الرجوع وحدها، بقيت أحلامهم معطوبة مثل السفن، كلماتهم الأخيرة ماتت في انتظار من يسمعها، جنائزهم لم تعد أيضاً ما عادت فقط هي الحكايات، كانت باللمس والرائحة، للمطر الذي كان يخصهم، للحقول وحدها التي ترعاهم، لأنانيتهم المفرطة في احتضانك، قسّموكِ إلى جبهات ليوصلوكِ ببعض، إلى شرائح من اللحم لأنكِ وعدتيهم بالثروة والشبع، وحين تخيلت وجوههم، كانوا يشبهوننا للغاية. أعتذر لأني أكرهكِ الآن.. لم أُحبكِ أبداً بالطريقة الصحيحة.

زر الذهاب إلى الأعلى