أحدثت السيدة جين غودال ثورة علمية في بحوثها عن مراقبة سلوك الشمبانزي مباشرة. حيث قضت خمسين سنة من عمرها في محمية طبيعية في “تنزانيا”، كانت تراقب حياة حيوان الشمبانزي، وأضافت للعلم العديد من الاكتشافات المذهلة عن هذا الحيوان وسلوكياته ونمط معيشته، وكان لها فضل عظيم في توجيه بوصلة علم الأحياء وطباع الحيوان نحو اتجاهات لم تكن معروفة من قبل.
بعد انفصال والديها، عاشت جين مع والدتها، والتي ساندتها برغم غرابة حلمها وخروجه عن المألوف بين أحلام الفتيات في ذلك الوقت، كانت والدة جين أكبر نصير لها، تميزت غودال وتفوقت بفضل إصرارها على النجاح وتمسكها بأحلامها، فأصبحت بذلك واحدة من بين تسعة أشخاص فقط حول العالم ممن حصلوا على بشهادة الدكتوراه قبل دراسة أي مرحلة جامعية قبلها.
طفولة جين غودال المبكرة
وُلدت العالمة “جين غودال” في لندن، إنجلترا عام 1934، بدأ تعلقها بالحيوانات وشغفها بالسلوك الحيواني منذ طفولتها المُبكرة، فكانت معظم أوقات فراغها تقوم بمراقبة سلوك الحيوانات. كانت جين تُسجل الملاحظات عن الحيوانات تارة وترسم خربشات تارة أخرى، بالإضافة إلى ولعها بالقراءة عن عالم الحيوان والسلوك الحيواني، كانت منذ طفولتها تحلم بالانتقال إلى أفريقيا والعيش هناك ومراقبة الحيوانات الغريبة والنادرة الموجودة في المناطق القريبة من مكان سكنهم.
خلال مرحلة طفولتها أهداها والدها دُمية على شكل شمبانزي، بعد أنا لاحظ شغفها الكبير بالحيوانات، وقد أطلقت جين على الدُمية اسم “جوبيلي” وكان جوبيلي مرافقاً لجين في كل مكان.
تقول جين أنها تستمتع بقضاء الوقت على فرع شجرة مع جوبيلي في الفناء الخلفي لمنزل العائلة.
وبعد مرور 73 سنة، يجلس جوبيلي الآن على خزانة جين الخاصة ولكنة أصلع تماماً بسبب كثرة العناق عندما كانت جين صغيرة.
أفريقيا
كانت جين تقرأ بنهم في عائلة يغلب عليها وجود النساء على الرجال، وبالرغم من أن حُلمها لم يكن متاحاً لكثير من الفتيات آنذاك، إلا أن والدتها كانت تشجعها على تحقيقه بالرغم من وضعها الصحي الحرج، حيث كانت جين تُعاني من حالة عصبية تجعل تمييز الوجوه عندها أمراً صعباً.
عاشت جين بعد طلاق والديها مع والدتها، ولم تكن عائلة جين، أو بالأحرى والدتها، قادرة على تحمل نفقاتها الجامعية، مما أجبر جين على العمل كسكرتيرة لدى إحدى شركات الأفلام الوثائقية.
قام بعد ذلك أحد أصدقاء جين بدعوتها لزيارتهم في “كينيا”، فعادت جين إلى العمل في “بورنموث” كنادلة في أحد الفنادق لتجمع بعض المال الذي يكفيها لتغطية نفقات السفر.
أحلام جين تتحول إلى حقيقة!
لعبت الصدفة دورها وقابلت جين بروفيسور علم السلوك الإنساني “لويس ليكي” والذي قرر فور لقائه بـ جين توظيفها كمساعدة له وسكرتيرة مرافقة له ولزوجته في رحلتهما للتنقيب عن Olduvai Gorge.
كان “ليكي” بصفته مشرف مُصرح به في مجال التطور البشري، يُدرك النقص الشديد في المعلومات المؤكدة في هذا المجال، وخاصة فيما يتعلق بسلوك السلف الأقرب إلى البشر وهو أحد أنواع القردة العُليا.
وبالرغم من أن جين كان ينقصها الكثير من مهارات البحث العلمي، وحتى أنها لم تحصل على شهادة الدراسة الجامعية، إلا أنها كانت دائماً مُنقادة لشغفها وحبها للمعرفة.
لم تكن ثقة ليكي بامكانيات واصرار جين وحدها كافية لتجعلها قادرة على الخوض في ذلك المجال، حيث عارض الكثير من الخبراء مشاركتها، خاصة أنها كانت امرأة متمدَّنة من انجلترا تعيش وحدها في مكان خطير وهي لم تتجاوز الـ 26 عاماً.
رفضت السلطات البريطانية سفرها وحدها والعيش بالقرب من الشمبانزي عند بحيرة Tanganyika. هذا الرفض لم يُثبط من عزيمة جين واصرارها، فأقنعت والدتها بالبقاء معها. وصلت جين ووالدتها إلى ما يُرف اليوم بـ “تنزانيا” في صيف عام 1960.
جين وهواية تسمية القرود
كانت لدى جين هواية غريبة، وهي أن تطلق أسماءاً على القرود، والذي يخالف قاعدة تعريف الحيوانات بالأرقام لا بالأسماء، مما حد من تطور المشاعر بين الباحث والحيوان. ومع ذلك فقد أصرت جين على رأيها، أنه لكي تفهم سلوك الحيوان بصورة سليمة، عليك أن تعامله كـ فرد وليس عينة مخبرية للبحث.
الحيوانات تستخدم الأدوات وتصنع المُعدات والأسلحة
في إحدى أيام تشرين الثاني/ نوفمبر، ركزت جين على تصرفات “ديفيد غراي بيرد” فلاحظت أنه يقوم باستخدام فروع الشجر لصناعة سنارة صيد وقت تواجده مع قطيع غولياث!
حتى ذلك الوقت كان العلماء يعتقدون أن البشر وحدهم القادرون على صنع الأسلحة والأدوات حتى أعلنت جين عن ملاحظاتها المضادة لاعتقاداتهم.
فقال ليكي “الآن علينا أن نوجد تعريفاً جديداً للأداة، ليس الأداة فقط، بل للإنسان أيضاً، أو أن نسلَم أن القردة من البشر أيضاً”
و سُجلت هذه الملاحظة كإحدى أهم اكتشافات جين آنذاك.
واكتشف جين لأول مرة أن بعضاً من القردة تتغذى على الأحياء الصغيرة، فكان ذلك أحد الاكتشافات الجدلية حيث كان من المُسلم به حتى ذلك الوقت أن القردة لا تأكل إلا النباتات.
جين تحصل على شهادة الدكتوراه دون الحصول على الشهادة الجامعية قبلها
من المعتاد أن ينال الطالب شهادة الدكتوراه بعد الحصول على الماجستير أو البكالوريوس، ولكن في عام 1965، حصلت جين على شهادة الدكتوراه في علم السلوك الحيواني من جامعة داروين في كامبريدج، لتكون بذلك واحدة من ضمن تسعة أشخاص فقط ممن حصلوا على شهادة الدكتوراه قبل الحصول على شهادة التعليم الجامعية الابتدائية أو ما يُعرف بـ الماجستير أو البكالوريوس.
في عام 1977، أنشأت جين مؤسسة أبحاث في الحياة البرية. كانت في بداية مشوارها تُركز على الأبحاث المُتعلقة بحياة الشمبانزي حتى توسع مجال عملها فيما بعد لتشمل المساهمة في دعم وحماية الحياة البرية بكل أشكالها.
اليوم تُدير جين مؤسسة تضم تسع عشرة مكتباً وتقيم المزيد من المشاريع التنموية المتركزة غالباً في أفريقيا. وقامت بعد ذلك بإنشاء مؤسسة للشباب أطلقت عليها اسم “الجذور والبراعم” والتي توجد اليوم في 100 مدينة حول العالم.
انجازات جين غودال
نالت جين العديد من أوسمة الشرف عالمياً، بما فيها ميدالية “تانزانياّ، وجائزةُ أميرِ “أستورياس” للبحوث العلمية والتقنية، ميدالية “هوبارد” من الجمعية الجغرافيةِ الوطنيةِ، جائزة “كيوتو” اليابانية، جائزة “بنجامين فرانكلين” في علومِ الحياة، جائزةُ “غاندي” لـ اللاعنف.
أما في عام 2002، تم منحها لقبَ سفيرة السلام من قبل هيئة الأمم المتحدة. وفي عام 2004، وخلال حفلِ قصر “باكنغهام”، مَنَحَتِ الملكة “إليزابيث” الثانية العالمةَ “جين” لقب سيدة الإمبراطورية البريطانية، وهو لقبٌ يوازي لقب الفارس. كما عملت كثيراً مع مساعديها لإنشاء محميَّةٍ في “غومبي”.
أحدثت السيدة جين غودال ثورة علمية في بحوثها عن مراقبة سلوك الشمبانزي مباشرة لأنها كانت الوحيدة التي عاشت معها في المنتزه لفترة طويلة، وقد اكتشفت بأن قردة الشمبانزي تفترس اللحوم ، وتصنع مُعدات تستعملها في اصطياد النمل الأبيض والديدان وتفترسها . وأن للشمبانزي لغة مختلفة و أنها تخوض حروب منتظمة أيضاً، وكانت السيدة جين غودال تراقب عن قرب كيف تلاعب أم الشمبانزي أطفالها و تضمها إلى صدرها و تفسح المجال لهم باللعب والقفز عليها.
وتشمل كتاباتها: أصدقائي الشمبانزي المتوحشة (1967م)؛ في ظل الإنسان (1971م)؛ شمبانزي جومبي (1986م)؛ من خلال نافذة (1990م).
وفي كتاب القتلة الأبرياء (1971م) قامت، هي وزوجها السابق المصور هوجو فان لويك، بوصف سلوك الضباع وابن آوى والكلاب الإفريقية المتوحشة قامت جودال بانتاج أفلام كثيرة عن شمبانزي جومبي.