اللعنةُ تَلبسُني كجريمةٍ مُكتملة القَرَائن- رضى كنزاوي



اللعنة

ﻓﻘﻂ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖُ ﻣﻨﺠﺮﻓﺎً ﻓﻲ ﺳﻴﻞِ ﺍﻟﻬﻼﻙ
ﺇﻟﻰ ﺣﺎﻓَّﺔ ﺍﻟﻤﻮﺕ
ﺩﺳّﺖ ﺍﻷﺷﺠﺎﺭ ﺟﺬﻭﻋﻬﺎ ﻓﻲ ﺟﻴﻮﺑﻬﺎ .


ﻓﻘﻂ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﺭﺩﺕُ ﺭﻳﺸﺔً ﺃُﻛﻤﻞ ﺑﻬﺎ ﺟﻨﺎﺣﻲ
ﺑﺪﺃﺕ ﺍﻟﻄﻴﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺃﺩﻭﻳﺔ ﺗﺴﺎﻗﻂِ ﺍﻟﺸَّﻌَﺮ.


ﻓﻘﻂ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﺭﺩﺕُ ﺃﻥ ﺃﻧﻈﺮَ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ
ﺛﺎﺭﺕ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﺰﻻﺯﻟﻬﺎ ﻭﺑﺮﺍﻛﻴﻨﻬﺎ ﻭﻋﻮﺍﺻِﻔﻬﺎ ﻣَﻬﺎﺑﺔ ﺃﻥ ﻳﺮﺗﻄﻢ ﺭﺃﺳﻲ
ﺑﻐﺸﺎﺀ الأﻭﺯﻭﻥ ﻭﺃﻗﻮّﺽ ﺍﻟﻤﻨﺎﺥ.

ﻓﻘﻂ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﺭﺩﺕ ﻟﺤﺎﻓﺎً ﻳُﺪﻓﻴﻨﻲ ﻣﻦ ﺑﺮﺩ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ﺃُﺻﻴﺒﺖ ﺩﻳﺪﺍﻥ ﺍﻟﻘﺰِّ ﺑﺎﻟﻘﺒﻂ .


ﺃﻳَّﺘﻬﺎ ﺍﻟﻠﻌﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗَﻠﺒﺴُﻨﻲ
ﻛﺠﺮﻳﻤﺔٍ ﻣُﻜﺘﻤﻠﺔ ﺍﻟﻘﺮﺍﺋﻦ
ﺃﻧﺎ ﻻ ﺃﻋﺮﻓﻚِ
ﺃﻧﺎ ﻣُﺠﺮَّﺩُ ﺭﺟﻞٍ ﻣَﺮﻳﺾ ﻳﻌﻴﺶ ﺑﺎﻟﺘﺒﻎ
ﻭﺍﻟﻤُﻌﻠﺒﺎﺕ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺤﺮﺹ
ﻋﻠﻰ ﺗﻔﻘُّﺪ ﺗﺎﺭﻳﺨﻬﺎ ﻣﺎﺩﻣﺖُ ﻻ ﺃﻣﻠﻚ ﺃﻱ ﺻﻼﺣﻴﺔ


ﺃﺳﻨﺎﻧﻲ ﺻﻔﺮﺍﺀ ﻛﺄﻇﺎﻓﺮﻱ
ﻛﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔِ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺗﻌﺮﻑُ ﺃﻧَّﻬﺎ ﺟﻤﻴﻠﺔ
ﻟﻢ ﺃﻗﺘﻠﻊ ﻭﺭﺩﺓ ﻳﻮﻣﺎً
ﺑﻞ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺠﻒُّ ﺍﻷﺭﺽ
ﺃﺳﻘﻴﻬﺎ ﺑﺪﻣﻮﻋﻲ
ﻻ ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﻗﺘﻞ ﺫﺑﺎﺑﺔٍ
ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺍﻷﻛﻴﺎﺱ ﺍﻟﻤُﻠﻘﺎﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺻﻴﻒ
ﺃﻧﻔﺦُ ﻓﻴﻬﺎ ﺭﻭﺣﻲ
ﻟﻢ ﺃﺷﺘﻢ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎً قط
ﺑﻞ ﻛﻨﺖ ﺃﻧﺎﺩﻱ ﺍﻟﻤﺎﺭَّﺓ ﺑﺄﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺰﻫﻮﺭ ﻭﺍﻟﻜﻮﺍﻛﺐ
ﻓﻠﻤﺎﺫﺍ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻘﻮﺍﻗﻊ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﺿﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﺫﻧﻲ ﻻ ﺗﻨﺒﺲ ﺑﺸﻲﺀ؟



لمن تقرع الأجراس ؟

كنا نحن

وكان الآخرون كذلك

كنا بثيابنا المُمزَّقة

وأصابعنا الصفراء

وآباؤنا الذين يموتون بسرعة

كالصيصان الملونة.


لكنَّنا لم نرَ الآخرين

بسيب الأسوار المسيَّجة

وباصات المدرسة التي تقلهم من أبوابِ منازلهم

وسيارات أوليائهم مُعتمة الزُّجاج


رأيتُ ذات يوم أحدهم يطلُّ من النافذة

وتفاجأتُ لأنَّه كان يشبهنا

نفس العينين والشعر وله يدين كذلك

بل ويمشي عكس ما راج بيننا من إشاعات


كانوا مثلنا تماماً

بشرٌ من لحمٍ ودم

غير أنَّ الشمس والرياح

والآلهة وقوى أخرى غامضة

لم تقفْ بصفنا


ومع ذلك خضنا الحرب

فكنا نقرع أجراس قصورِهِم

ونلوذ بالفرار…


هكذا ولهم وحدهم

تُقرع الأجراس يا ” إرنست هيمنغواي”.



طقم أسنان

وما زلتُ أبحثُ

عن كلماتٍ لقصيدتي المُقبلة

فلم تعد تُسعفني كلماتي القديمة

ترسانتي اللُّغويَّة المُنحرفة

التي لطالما رافقتْ جوعي

تشرُّدي، حزني وحقدي

لسنينٍ طوال

قد خرجتْ عن طَوعي مُعلنةً التَّمرُّد

منذ أن قوّمتُ فمي عند طبيب الأسنان..

وأصبحتُ أنظّفه وأرشّه بالطيب

خرجتْ مُتظاهرةً في وابلٍ من الشتائم

وأبت أن تعود إليَّ حتى تعود أسناني صفراء مشوهة كحادث سير

مَلجأ للكمَات القاضيَّة في قِتَالات الأزقَّة

ومأوى لبقايا الطعام وبصاق التَّبغ واللصوص والقتلة الهاربين من العدالة

وتعود شفاهي يابسة زرقاء..

كجثث الغَرقى ويعودُ فَمي كريهًا كمجاري

الصرف الصحي

فلا يُمكن للمُسدس أن يُطلقَ بدل الرِّصاص فراشًا

ولا للبركان أن يقذفَ بدل الحمم زهورًا

ولا للمدخنة أن تخرجَ بدل الدّخان حريرًا

ولا البالوعة بدل الجُرذان والصراصير طيورًا وغزلانًا..

لهذا سألجُّ الآن أقرب حانة

وآمر زبائنها أن يلغوا كلّ المفاتيح واللوالب الفلينية

فلن تفضُّ زجاجة هذه الليلة إلا بين أسناني.



*نص: رضى كنزاوي


زر الذهاب إلى الأعلى