آسيا تستيقظ _*علي سردار جعفري _ترجمة:- تميم صائب

هي ذي آسيا
مهْدُ سطوع الحضارة
وأرض الثقافة
هنا، كانت الشمس
تفتح عيونها
هنا، كان الفجر الأول للبشرية
لا يُغطّى بهاؤه
هنا، كانت العصور الغابرة
تضيء مصابيح علمها وحكمتها
هنا، كانت الفيدا(1) تغني
أغنياتها السعيدة
ومن هنا، أعطى بوذا
دروسَ المساواة
من هنا، غنى مازداك(2)
أغنياته في الحب والعدالة
رياحُ تاريخنا
سمعت كلمات المسيح
وشمسنا أشرقت
على رأس محمّد
هذا هو التراب
الذي أنجب حُزَم الحبوب
إنه قديمٌ قِدَم الجنس البشري
إنه مهيبٌ مثل قمم جبال هيمالايا السامقة
جميلٌ مثل حوريّات الأجانتا
وافرٌ مثل المياه اللطيفة لنهريَ الغانج والنيل
هذا الحضن الخصيب
يعجّ بالأطفال والزهور
تراثنا ممتدّ من موهنجودارا
إلى السور العظيم في الصين
وتاريخنا ينتشر من تاج(3)
إلى أهرامات الجيزة
ثرواتنا من بابل إلى نينوى
ومنذ طفولتنا
قبّلت الفصاحةُ شِفاهَنا
والقصيدُ يهدْهِدُنا حتى ننام
ألسنتنا تعلمت
الفيدا والإنجيل والقرآن
خيالُنا لامس تماماً
تلك الشواهق السامقة
حيث تشعّ شموس الفردوسي(4)
وسعدي(5) ونظامي(6) والخيّام(7) وحافظ(8)
الشواهق…
حيث سيطرة إدراك فالميكي(9)
وتولسي المبجّل
وكبير(10) وسورداس(11)
الشواهق…
حيث يتردّد صوت مِزهر إقبال(12)
وأغنيات طاغور(13)
** * **
هي ذي آسيا
مهد سطوع الحضارة
وأرض الثقافة
بفلاّحها ذي اليدين الهَرمتين
المتشقّقتين من أثر المحراث
وعمّالها المُعدَمين بأعينهم المتوهّجة المتعبة
هي ذي آسيا
مراكبُ وملاحون
أغنياتٌ وعواصف
خزّافون وحدادون
عاملات ملبَنٍ مبلّلاتٌ بالحليب
رواة القصص القديمة
وهم يتحلّقون حول النار
وجوهٌ بريئةٌ لأطفال صغار
آمنين في أحضان أمّهاتهم
حقولُ محاصيل ناضجة
أبقارٌ وجواميس موقِّعةٌ نغماتِها
في حقول خضراء
بخلاخيل زجاجية رنّانة
صحارى موحشةٌ
ساكنةٌ وعميقةٌ كعمق الشعراء المُلهَمين
ضفائر منسدلةٌ لأشجار نخيل
أزهار أشجار الرمان، وبراعم المانجو
مخازن الحنطة، وأكوام من أقراص روث الأبقار
عذراواتٌ راقصاتٌ في مُنعطفات طُرق
أنهارٌ ممتدّة وفاتنة
تقبِّل بأمواجها
شفاه ضِفافها المرتعشة
شلالات لطيفة
على الخصور الهيفاء
لوديانٍ مكلّلةٍ جميلة
كراتٌ زرقاء في أغصان الغار الوافرة
انعكاس نجومٍ في مرايا بحيرة
أذرع عاشقةٌ
لنهرَي الغانج والجامونا
تحيط عنقَ جبال الهيمالايا
شالُ ثلجٍ أزرق
يكلّل رأسَ العواصف العاتية
هي ذي آسيا
في طور الشباب
عذبةٌ وخصيبة
والتي يُلدَغ أطفالُها الفقراء
الذين لا يملكون شروى نقير
بلدغة أفعى الجوع السامة
أولئك الذين لم تذُق شفاهُهم طعم الحليب
منذ أن فُصلوا عن أثداء أمّهاتهم
والذين لم تذقْ ألسنتُهم قَطّ
خبز الحنطة
وأقفيتُهم ما شعرت أبداً
بلمسة الملابس البيضاء النظيفة
وأياديهم لم تحمل أبداً كتاباً
وأقدامهم لا تعرف شيئاً
عن الأحذية والشباشب
ورؤوسهم غريبة عن البهجة التي
تمنحها نعومةُ الوسادة
إنّهم يبجّلون جوعهم
تلكم المخلوقات الفريدة
لا توجد إلا في فردوس آسيا
وتبقى بنظر الحضارة الإمبريالية
مجرّد حيوانات
حتى بعد ثلاثة قرون
فأين أنت يا حامل مشعل الحضارة؟
تعال وراقب مشهدَ حضارتك!
لن ترى في أي مكان آخر
مثل هذه الوجوه الهزيلة
لقد ملأتَ كلّ زاويةٍ من هذه الأرض
بتذكاراتك الفخمة
هنا شيّدتَ قوسَ نصر
على أعمدة غطرستك
هنا وزّعتَ خيول البرونز
عند النُصُب الصخرية
ولكن تلك الأشياء
لا تمثّل ثقافتك وحضارتك
فاستدعِ نحّاتيك ورسّاميك
ليزيّنوا متاحفك
بتلك الوجوه الهزيلة
كآخر تذكار لمآثرك العظيمة
** * **
الآن…
لدينا في آسيا
غابةٌ من الأيدي
لدينا
قبضاتٌ من الرخام الأبيض
والغرانيت الداكن
آهٍ يا عروس فجر الربيع!
نحن ننتظر
أن نزيّنك بحفنةٍ
من صِباغ الشفق القرمزي
وبزهور القمر والنجوم
وبأحمر الشفاه المصنوع
من خيوط الشمس الحمراء.
** * **
…………………………………
الهوامش

* علي سردار جعفري شاعر هندي يكتب بالأوردية من مواليد عام 1913.
بدأ بنشر نتاجه الشعري بديوان (خيط دم) عام 1949 في بومباي، ثم توالت مجموعاته الشعرية فنشر عام 1950 مجموعته (آسيا تستيقظ) التي يتحدث فيها عن عظمة الهند وآسيا وينتقد الحضارة المزعومة للمحتل البريطاني، ثم مجموعة (جُدر صخرية) عام 1953، ثم (حلم واحد آخر) عام 1965، ثم (ثوب الجواهر)
عام 1966، ثم (نداءات الدم) عام 1978، ثم توالت كتاباته حتى عام 1997. وقد نقل مختارات من قصائده إلى الإنجليزية (بايدار باخت) و(كاثلين جرانت جايجر) بعنوان (رحلتي). ومن مجموعة (آسيا تستيقظ) هذه القصيدة التي سنلاحظ فيها ذكر النيل وأهرامات الجيزة رغم أنهما في أفريقيا، وهذا إما يدل على جهل الشاعر بالجغرافيا؛ أو أنه اعتبر الشرق الأوسط كله في آسيا؛ أو لوقوع مصر آنذاك تحت الاحتلال البريطاني الذي يخاطبه الشاعر في هذه القصيدة كمحتل
لبلاده “الهند”:

(1) الفيدا: كتب الهندوس المقدّسة.
(2) مازداك: زعيم ديني فارسي، مؤسس الديانة المزدكية في القرن الخامس الميلادي.
(3) تاج: هو تاج محل: صرحٌ عظيمٌ من الفسيفساء والرخام، بناه شاه جاهان الأمير الهندي المسلم لزوجته ممتاز محل في مدينة أجرا في الهند.
(4) الفردوسي (935- 1020م): شاعر فارسي، مؤلف ملحمة الشاهناما.
(5) سعدي: هو سعدي الشيرازي (1213- 1292م): شاعر فارسي، من أكثر شعراء الفرس شعبية.
(6) نظامي: شاعر فارسي.
(7) الخيّام: عمر الخيّام (1048- 1122م): شاعر ورياضي وعالم فلك فارسي، من أشهر كتاباته (الرباعيات).
(8) حافظ: شمس الدين محمد (1325- 1390م): شاعر فارسي غنائي.
(9) فالميكي: مهارشي فالميكي: شاعر شعراء الهند، والذي أعطى العالم الملحمة الخالدة (رامايانا).
(10) كبير (1440- 1518م): شاعر متصوّف هندي، حاول التوفيق بين الفكر الإسلامي والفكر الهندوسي.
(11) سورداس: شخصية لها أهمية كبيرة في التاريخ الهندي، كان شاعراً قدّيساً وموسيقاراً عظيماً.
(12) إقبال: محمد إقبال (1877- 1938م) شاعر وفيلسوف هندي مسلم، كان أول من دعا إلى إنشاء دولة باكستان.
(13) طاغور: رابندرانات طاغور (1861- 1941م) من أعظم شعراء الهند، نال جائزة نوبل في الآداب عام 1913.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى