أغنية البجعة أو سباعيات الإبل – ميثم بولند

04D1C63C 935E 478F 9F7C 5DD4AD57D2AD أغنية البجعة أو سباعيات الإبل - ميثم بولند شفيق آشتي

١

عادت اليمامات.. كن يحملن في مناقيرهن إكليل الياسمين..

ما إن عقدن حول عنقي.. ذاك الاكليل..

حتى انفرجت حولي السماء.. فسمعت:

”بإسم يسوع المسيح.. أرسمك كاهنًا.. أو معلمًا..

لتبشر بالتوبة.. وبغفران الخطايا..

لتقيم الحجّة.. ويثبت الإيمان..

بإسمه.. إلى المنتهى..“

٢

ها هو السؤال..

سؤال دفن تحت تسعة طبقات من الوهم..

السؤال الذي عقّد اللغز..

السؤال الذي ثبت الحواس..

يهتز كأس الخمر.. رشفة منه..

فنظرة لعينيها على سبيل التمني..

” هل الذين استقبلوا النور يهبون النور ؟“

٣

إنني أقوم بما عجزت عنه الملائكة..

كتبت بأهدابي تلك القصيدة..

قصيدة حرّم وزنها..

أهرطق.. وأنا أخطها..

على خدها.. بإباحية..

و أطلب لها الرحمة.. أداريها بالعناق..

أصلي.. لسكينة نفسها..

٤

هذه هي.. محاولة أخيرة..

للملمة الذات..

أو رغبة.. بالتجول بين عالمين..

رغبة باعتناق الموت.. أريح عليه رأسي..

إبتذال الكائنات المتعبة البلهاء..

إلى متى أتحرك عبر الزمن ؟

أريد جمال الخالق..

٥

كنت ميتًا.. وعدت إلى الحياة..

أخذني أصدقائي إلى الصحبة..

أننا نتسكع.. تُقرأ السطور..

أُرضي نفسي.. فأصنع شخصيات أخرى..

الموت.. كالحب.. ينزل بالمرء فيتملكه فجأة..

تجربة جميلة كنت احلم بها..

” أماه.. ها قد وصلت..“

٦

نصّ.. فصراع.. من ثم انسحاب..

نتائج لأفكار متأصلة..

لا يمكن تغييرها..

أزمة.. ليست في طبيعة هذه المشكلة..

وإنما في كيفية تفسيرها..

وهذه دعوة أساسية..

لاعتناق مذهب ابن آدم الأول..

٧

الغسق يحمّر.. يخّط الدم.. والثور يمشي..

يحرث الارض.. دون كلل..

ينشب الحبل في فم الفتى..

لا يقف الثور.. يجر الحبل.. بأريحية..

تتكسر أضراس الفتى..

يغرق بدمه..

يخيّم الليل.. ويبكي الفلاح ابنه..

٨

يختفي هذا الركام..

و طيور الليل.. صداحة..

تُنشد مايمليه عليها ضمير الغراب..

تسّلي روحي المحترقة..

فيصبح زُهدي.. ضروريًّا..

أتصوّف على طريقتي.. وأستسهل الصعب..

أغيب.. بعد إعلان اغترابي المطلق عن الواقع..

٩

اعتليت القمر.. هربًا من مبالاتي..

كنت أتجنب واقعية الحياة..

و هذه الواقعية القاتلة هي ما نهرب منه جميعنا..

أليس كذلك ؟

وهي.. من غربلت روحي.. ورسمت تاجًا على رأس الموت..

تظهر.. وتكرر بصوتها الخمري..

” إن لم يعذبك الحب.. لا تكن هنا.. معي..“

١٠

إنها مملكة لارفقة فيها ولا عشق..

أرضها تبتلع النساء.. و قداستهن..

الحب محرّم هنا.. يا للخسارة..

مملكة لا بدء لها ولا انتهاء..

لاطرق فيها ولاسبل..

تركت قلبي فيها ليصدأ بالأسى..

و تهت.. مع الراحلين..

١١

تخمّر النهار.. والعيون تبتّل بالسحب..

الريح تهز ثيابي.. وتضحك..

شيء في داخلي يدور.. صراخ أم..

إنها الارض التي تموت عندها الأساطير..

أرض تترنح من تحتي.. سر الكون يتقلّب فيني..

إختفى عبق الزهور.. و لا إسم لي..

صرخت : ” على عينيّ ألا تبصرا..“

١٢

ناولتني الخمر في كأس غير ذاك الكأس الذي أفضله..

روحي مريضة.. ومعشوقتي ترقص.. يا للخزي..

يسقط الكأس.. و يتكسر..

الحرية تفسّر بتلك التفاسير الخاطئة..

و تصاب الأخلاق بأكبر نكسة..

أين كأسي؟

يا للأسف.. سُكب الخمر ولم أذقه..

١٣

لاأحد يستطيع كتابة هذه القصيدة..

بعد رحيلكِ..

لاأحد سينقذ كلماتها..

من الظلام.. من المنافي..

إنه الموت العبوس..

ما أبشع صورته..

صورة تبعث في نفسي النفور..

١٤

أطرد كل الخيالات الحقيرة.. الدنيئة..

سيثيريا.. الهة الحب.. أم إنها ممثلة إباحية ؟!

تغسل نهديها بماء النهر..

تذكرت بأنها لم تولد من دم ومني..

كما تقول الأساطير..

بل ولدت من هوّس.. الهوس يولّد الحب..

كما أن من عادة الحزن أن يولّد الجنون..

١٥

كل ما هو غير مفهوم معجزة..

إذًا فالحياة نفسها.. معجزة..

ما الذي رمى بي الى هذا المكان ؟

طنين خافت يُثقل اذني..

إنني أسمع قصف مدافع السماء.. في حومة الوغى..

جلجلة الابواق.. دوي رعد.. صوت امرأة..

إنه الموت.. ”هيت لك..“

١٦

قديمًا.. عندما كانت النمور تدخن التبغ والحشيش..

و بعدما تخلصت من شخصيتي وعقلي وانويّتي..

نُفيت الى الوعي.. و غدًا الجهل لي وطن..

طرقت بابًا لأحد الدور..سمعت :

”تدري أنهم رحلوا..“

أشعلت سيجارتي.. ودفعت الباب بتأن..

فتاة على كرسي خشبي.. مكبلة.. تبتسم..

١٧

لن تستطيع كسر الوصايا العشر.. لأنها هي التي ستكسرك..

بعدما يأكل الزنجي ذاك القرد..

فيأخذ منه حب الطرب..

يرقص مع بنت آصف..

يتغنون بمقامات تروي حكايا محرمة..

عن مملكة بائدة.. كان يُذبح فيها الهراطقة..

١٨

أحسست بقرب الفراق..

فتعلقت بمعشوقتي بعنف غير مسبوق مني..

هذه حالة منكسرة..

تنقض جل دعواي..

تهدم بنيان ديني وعقيدتي..

انقرض بعدها و يمحى كل ما هو مسطور..

يا ليتني لم أنشدها.. يا ليتني لم أردها..

١٩

كيف أخبر تلك التي تخلت عني انها اصابتني بأذى شديد ؟

كيف اخبر التي افلتت يدي في منتصف الطريق..

عن خيبة الامل التي شعرت بها حين وجدت نفسي وحيدا ؟

تلك التي اعتقدت انني سأراها تقاتل معي في معاركي الشخصية..

التي خيّل لي انها ستقوم بحماية ظهري من الطعنات..

التي ستقبل ندباتي.. و تخفف عن قلبي التآكل..

كيف أخبرها ان الخذلان لا ينسى ؟

٢٠

طيور تحلق في رأسي..

هيجان مزعج و غريب.. عالم عاجز على ان يولد..

ادور و يدور كل شيء..

الوشاة يبحثون عن روحي..

في حانة الصعاليك..

ادور.. و لا جواب لهذا السؤال..

هل من احب في كل مكان ؟

٢١

الايام تمضي.. اعدها على اصابعي..

و اعد كذلك.. اصحابي و خليلاتي..

و اليوم لا اعد على اصابعي..

سوى اصابعي..

ضعت انتِ مني..

و كان ضياعك المشؤوم..

كارثة.. بلا دليل..

٢٢

روحي تتعفن.. تسمم..

و الغضب يحرق جسدي..

الحب يغتال المراثي..

قلبي وكر للجرذان..

و فمي مصيدة للفراشات الصارخة..

الموت.. يا ياسمينتي..

ينبغي ان يكون كنوع من الاجلال للحياة..

٢٣

العشق اذا استحكم..

فلا علاج له.. الا الموت..

و هذا الناي يقصّ علي..

حكاية الطريق.. الذي اتخذته..

مهربي الذي صادفت فيه قدري..

بعدما قدّمت قرباني المنكوب..

”لن اقبل هذا منك.. يابن آدم..“

٢٤

احيا و انتمي الى المجتمع..

بهذا الفن.. ارجع الى ذاتي..

بلا تابوت.. و لا قبر.. و لا كفن..

افكر بشجن و انا اقضم اظافري..

” لماذا لم اعد اراك ؟“

رحلت و تركتِ.. يا امرأة.. على قميصي..

صوتك الحزين..

٢٥

كان القمر قد ارتقى كبد السماء..

القمر يمر بأسنانه على قلبي القريح..

يأكل بنهم آخر أيامي..

روحي البسيطة.. تعاني..

مع مرور الوقت.. من الخوف..

انا قلت.. و انتهيت..

و سوف انتهي.. و انتم ايضا على خير..

٢٦

يقفز على قدميه.. يصل الى حيث النور..

ما الذي سيحدث له عند النهاية ؟

ماذا لو ضربوه.. و زجروه ؟

لم يعد خائفا من أي شيء..

بعدما عاش الخوف.. وحيداً..

يُقتل صاحب ارقى مذهب..

يُقتل ابن آدم الاول..

٢٧

لمّ على الحياة ان تضع حياة اخرى ؟

لماذا هذا الاصرار على الاستمرار في الحياة ؟

لماذا – طالما لا شيء يهم – لا ننقرض ؟

تراب يغطيني حتى نهاية الزمن..

و الاسوء ان يُكمل ضميرك الرحلة..

و انت في العدم.. مدفون..

كنت حيا مرةً.. معها..

٢٨

ايها الانسان..

يا اجمل اشاعة دنيوية..

كرّس العلوم في البحث عن الاسم الاعظم..

انني بحاجة الى الالهاء..

لا اريد ان اتركني لهذه الافكار..

انها تفترسني.. و تهبط بي..

الى اشنع مزحة.. الى الحياة..

٢٩

تربطني علاقة غريبة بالزمن..

انني لا اعي بمروره..

لا اضيّعه.. بل استغلّه..

لكنني غير منتبه له.. و هو يمضي..

و يأخذني معه..

حيث ابدأ بتدميري المعتدي..

لذاتي البعيدة..

٣٠

امّر بالياسمين..

بأغان مكسورة..

حزينا.. اعبر الطرقات..

كمجنون.. او كشاعر..

و كلاهما يولدان..

لا يصنعان..اقصد ان :

” المجنون كالشاعر.. يولد و لا يصنع..“

٣١

الكاريزما.. الجاذبية..

اعتقد انها تعتمد على الحضور..

اعني.. ان تكون حاضرا ذهنيا..

في هذه اللحظة.. و على الدوام..

احاول إلتقاط الحلم بكفيّ..

لكنه هرب.. لمكان ما..

” لماذا تصير كل الطرق الى فراق ؟“

٣٢

هذا العالم المظلم..

العالم الذي لا قاع له..

صديقي القديم.. العالم الفوضوي..

العالم الأخرس.. الجاهل.. الصامت..

هذا العالم هو جزء حقيقي مني..

سمعت نواح الأرامل عند الكهف القاتم..

” ان القلب اذا صفا.. ضاقت به الارض حتى يسمو..“

٣٣

كل ما ترغب به.. هناك..

عليك السفر اليه..

تعبر هذه القارة الموحلة..

تسافر بعيدا.. جدا.. جدا..

لتجد ما هو قريب من قلبك..

من ثم تنتحر..

الآن عليك ان تحب..

٣٤

تنبأ هيرميس..

في عيد القتل..

” انني اهم بالترنم بمدائح الواحد الكل..

ايتها العدالة سبّحي للحق في ذاتي..

ايها الصدق سبح للقدس في روحي..

ايتها الأثرة سبحي للمهيمن في صلاتي..

هي كلماتك التي تتغنى بمديحك من خلالي.. فالكل منك.. و الكل اليك..“

٣٥

عيناي تنتظران بيأس..

تجلّيها و قدومها.. و هي تنبض بالعشق..

من بين النوارس و الطواويس..

عيناي تنتظران بحزن مظلم..

مشهد عودتها المباركة..

تمشي بين اكاليل الغار..

تتخطى فيض وجودي كله.. و تستقر في اعماقي..

٣٦

”عمّ يتحدث الموتى..

في هذه المساء الهاديء ؟“

عن الزمن و تدميره للانسان..

الزمن عجلة دوارة للابد..

عن التغيير المستمر.. و استحالة كيان الحقيقة..

عن مولد الوعي مع مولد الانسان..

عن نهاية هذا الوعي.. عن تغيّر حالة الميلاد.. عن انفسهم..

٣٧

خاطبني الجني.. و انا اهرب اليها..

و قد كشف خلجات نفسي..

و لمس عطشي الى عبق انوثتها..

” انك مسكون بالغواية.. حتى في هذه اللحظة..

لحظة الانهيار القصوى.. و في هذا الوطن..“

لماذا يصفعني الحزن كلما نادتني صيحات البهجة ؟

ماذا عندي لادافع عن نفسي امامها ؟

٣٨

مررت بطيف روحها و صحت :

” يا من هجروا و غيروا احوالي..

ما لي جلد على جفاكم ما لي..

جودوا بوصالكم على مدنفكم..

فالعمر قد انقضى و حالي حالي..“

نحرتني بجديلتها.. هي.. انا..

و الانتحار اكثر الافعال انانية..

٣٩

يظلمون و يتكلمون باستعلاء.. يجعلون افواههم في السماء..

و ألسنتهم تسعى في الارض..

اسمع بكاي يا خالق الخلائق..

و الطف بنجواي و صياحي.. من عند نهاية هذه الارض..

ها هي نبضاتي تتوقف.. و ها هو فؤادي يختفي..

” كلمتك مصباح لخطاي.. و نور سبيلي..“

و هذا هو الاصحاح الثالث.. هبط على ظهري قبل بعثي.. بساعة..

٤٠

” ما اسمك ؟“

” ياسمين..“

صرخت.. ”لا احب هذا الاسم..

هل من الممكن ان اناديك بإسم آخر ؟“

وقفت و قالت بتردد : ”بريجيت هيلم – “Brigitte Helm

ابتسمت.. ” لا اعتقد ذلك.. هي اعظم امرأة عرفها التاريخ..

اما انتِ فـ.. انكحي نفسك.. ياسمين..“

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى