الطبيب وزوجته 1925
ترجمة: موسى الحالول
جاء دك بولتن من المخيم الهندي لتقطيع زنود الخشب لوالد ِنك. جلب معه ولده إدي وهنديا آخر يدعى بِلي تابشو. خرجوا من الغابة ودخلوا من البوابة الخلفية، وكان إدي يحمل منشاره الطويل. كان المنشار يرتفع وينخفض فوق كتفه، محدثا صوتا موسيقيا عندما يمشي. وكان بلي تابشو يحمل كّلابين كبيرين، بينما حمل دك ثلاث فؤوس تحت إبطه. التفت وأغلق البوابة بينما تابع الآخران طريقهما باتجاه شاطئ البحيرة حيث زنود الخشب مدفونة في الرمال. كانت الزنود قد فقدت من أطواف الأخشاب الكبيرة التي كانت السفينة ماجك تجرها عبر البحيرة إلى المنشرة. كانت قد جنحت إلى الشاطئ، وإن لم يجر شيء بشأنها فإن طاقم السفينة سيرتادون الشاطئ آجلا أو عاجلا بقارب تجديف، فيرون الزنود، ويدقون مسمارا حديديا له حلقة في نهاية كل زند، ويجرونها إلى وسط البحيرة كي يصنعوا منها طوفا جديدا.
لكن تجار الأخشاب قد لا يأتون؛ لأن بضعة زنود لا تساوي الأجرة التي يدفعونها لجمعها. وإن لم يأت أحد من أجلها فإنها ستُترك حتى تتشبع بالماء وتهترئ على الشاطئ. هذا ما توقعه والد نك دائما، فاستأجر الهنود ليأتوا من المخيم ويقطعوا الزنود بمناشيرهم وينصفوها بوساطة إسفين ليصنعوا منها أكداس الحطب للموقد المفتوح.
دار دك بولتن حول الكوخ ثم تجاوزه باتجاه البحيرة. كانت هناك أربعة زنود كبيرة من خشب الزان تكاد تكون مدفونة في الرمل. علّق إدي المنشار من أحد مقابضه في منفرج جذع شجرة. كان دك مُوَلَّداً وكان كثير من الفلاحين في محيط البحيرة يعتقدون أنه في الحقيقة رجل أبيض. كان كسولا جداً، لكنه يعمل بجد إذا بدأ.
أخرج قرص تبغ مضغوط من جيبه، فأخذ قضمة منه، ثم تحدث بلغة الأوجبواي إلى إدي وبلي تابشو.
غرزوا نهايات كّلاباتهم في واحد من الزنود وهزوه بغية خلخلته من تحت الرمل. التفت دك بولتن إلى والد نك وقال:
«هذه الكمية التي تسرقها من الخشب كبيرة، يا حكيم» (1)
ّ «إياك أن تتحدث بهذا الشكل، يا دك»، قال الطبيب. «إنه خشب جرفه التيار.»
في هذه الأثناء كان إدي وبلي تابشو قد خلّصا الزند من الرمل الرطب ودحرجاه باتجاه الماء، فصاح فيهما دك بولتن،
«غّطساه جيدا.»
«لماذا تفعل ذلك؟» سأله الطبيب.
«لغسله وتنظيفه من الرمل تحضيرا لنشره. أريد أن أعرف إلى من تعود ملكيته،» قال دك.
كان الزند تغمره مياهُ البحيرة. اتكأ إدي وبلي تابشو على كّلابيهما وهما يتصببان عرقا تحت الشمس. جثا دك على ركبتيه في الرمل وراح ينظر إلى العلامة التي تخلّفها مطرقة القشر في الخشب في نهاية الزند.
وقف وهو ينفض الرمل عن ركبتي بنطاله ثم قال:
«تعود ملكيته إلى وايت ومكنولي.»
شعر الطبيب بحرج شديد. ثم قال باختصار:
«إذن، من الأفضل ألا تنشره، يا دك.»
فقال دك، «لا تغضب يا حكيم، لا تغضب. أنا لا يهمني ممن تسرق. لا يهمني إطلاقا.»
«إذا كنت تعتقد أن الزنود مسروقة، إذن فدعها وعد بأدواتك إلى المخيم،» قال الطبيب محمّر الوجه.
«لا تطلق النار وأنت في وضعية الإصلاء، يا حكيم،»
قال دك ثم بصق عصير التبغ على الزند. سال ثم تلاشى في الماء.
«أنا وأنت نعلم أنها مسروقة، والأمر سيان عندي.»
«حسن، إذا كنت تظن أنها مسروقة، فخذ ُ أدواتك واخرج.»
«اسمع، يا حكيم»…
«خذ أدواتك واخرج.»
«اسمع، يا حكيم.»
«إن ناديتني حكيما مرة أخرى، سأجعل أسنانك في حلقك بلكمة واحدة.»
«لا، لن تفعلها يا حكيم.»
ِنظر دك بولتن إلى الطبيب. كان دك رجلا ضخما وكان يعرف مدى ضخامته. وكان يحب المشاجرات. كان سعيدا.
اتكأ إدي وبلي تابشو على كُلّابيهما ونظرا إلى الطبيب. قضم الطبيب شعر لحيته النابت على شفته السفلى ونظر إلى دك بولتن. ثم أشاح بناظره بعيدا، وصعد الرابية باتجاه الكوخ. كان غضبه باديا لهم من ظهره. راقبوه جميعا وهو يصعد الرابية ويدخل الكوخ.
قال دك شيئا بلغة الأوجبواي. ضحك إدي لكن بلي تابشو بدا جادا. لم يكن يفهم الإنجليزية، لكن عرقه ظل يتصبب طوال الشجار. كان سمينا وكان شارباه يتألفان من بضع شعيرات كأنه رجل صيني. التقط الكّلابين، وحمل دك الفؤوس بينما أنزل إدي المنشار من الشجرة.
انطلقوا وساروا متجاوزين الكوخ وخرجوا من البوابة الخلفية باتجاه الغابة. ترك دك البوابة مفتوحة. رجع بلي تابشو وأحكم إغلاقها. ثم مضوا في الغابة.
في الكوخ كان الطبيب يجلس على سريره في غرفته، فرأى كومة من المجلات الطبية على الأرض بجانب المكتب. كانت لا تزال ملفوفة، غير مفتوحة. لقد أغاظه الأمر.
«ألن تعود إلى عملك يا عزيزي؟» سألت زوجة الطبيب من غرفتها التي كانت تستلقي فيها والستائر مسدلة.
«لا»!
«هل هناك من خطب؟.»
«تشاجرت ِ مع دك بولتن.»
«أوه، أرجو ألا تكون قد فقدت أعصابك، يا هنري،» قالت زوجته.
«لا،» قال الطبيب.
«تذكر أن من يَتَحكّم في هواه أعظم ممن يفتح مدينة،» قالت زوجته. كانت من أتباع العلم النصراني (2)
كان الكتاب المقدس ونسخة من كتاب «العلم والصحة» ومجلة «كوارترلي» الفصلية على مائدة بجانب سريرها في الغرفة المعتمة.
لم يُجِب زوجها. هو الآن جالس على سريره، ينظف بندقيته. ملأ المخزن بالطلقات الصفراء الثقيلة ثم أفرغه، فتناثرت على السرير.
«هنري،» نادت زوجته. ثم توقفت لحظة، «هنري»!
«نعم،» قال الطبيب.
«هل قلت شيئا يُغضب بولتن؟.»
«لا.»
«علام تشاجرتما، يا عزيزي؟.»
«لا شيء يستحق الذكر.»
«قل لي يا هنري. أرجوك ألا تخفي شيئا عني. علام تشاجرتما؟.»
«حسن ِ، دك مدين لي بمبلغ كبير من المال لأنني أنقذت زوجته من التهاب في الرئة، وأعتقد أنه افتعل هذه المشاجرة لكيلا يسدد ما لي عليه بالعمل عندي.»
صمتت زوجته. مسح الطبيب بندقيته بخرقة. ضغط على نابض المخزن كي يلقمه بالطلقات. جلس والبندقية
على ركبتيه، وكان مولعا بها. ثم سمع صوت زوجته تناديه من غرفتها المعتمة.
«عزيزي، لا أظن، لا أظن حقا أن مخلوقا يفعل شيئا من ذلك القبيل إطلاقا.»
«لا تعتقدين؟» سألها الطبيب.
«لا، لا أستطيع أن أصدق أن مخلوقا يفعل شيئا من ذلك القبيل عن قصد.»
وقف الطبيب وركن البندقية في الزاوية خلف الخزانة.
«هل أنت خارج، يا عزيزي؟» سألت الزوجة.
«أعتقد أنني سأخرج لأتمشى،» قال الطبيب.
ِ«إذا رأيت نك، يا عزيزي، هلا أخبرته أن أمه تريد أن تراه؟» قالت زوجته.
خرج الطبيب إلى الشرفة، فانصفع الباب وراءه. سمع زوجته تشهق عندما انصفع الباب.
«آسف،» قال قريبا من نافذتها ذات الستائر المُسدلة.
«لا بأس، يا عزيزي،» قالت.
سار في الهجير خارجا من البوابة، يشق طريقه عبر غابة الشوكران (3) كان الجو باردا في نهاية الغابة حتى في مثل هذا اليوم القائظ. وجد نك يجلس مستندا إلى شجرة، ويقرأ.
«أمك تريدك أن تذهب إليها وتراها،» قال له الطبيب.
«أريد أن أذهب معك،» قال نك.
رمقه والده بنظرة وقال:
«حسن، هيا بنا. أعطني الكتاب. سأضعه في جيبي.»
قال نك، «بابا، أعرف أين توجد السناجب السوداء.»
قال أبوه، «حسن ِ ، لنذهب إليها.»
(1) استخدمت كلمة «حكيم» لكونها المرادف العامي لكلمة Docالمختصرة ]المترجم[.
(2) هنا تستشهد الزوجة بالمثل السادس عشر من سفر الأمثال في العهد القديم، أما العلم
النصراني فهو مذهب ديني يرى أن الموت والمرض والخطيئة يمكن التغلب عليها من خلال فهم
الدين ]المترجم[.
(3) الشوكران شجر دائم الخضرة من الفصيلة الصنوبرية، يستخرج منه شراب سام، ويُستعمل
لحاؤه لأغراض الدباغة ]المترجم[.