إنّه البرد – أمل خلف.

 

Olivia Pendergast1 إنّه البرد - أمل خلف.
Olivia Pendergast

اللّيل موحش بالخارج.. الرّيح ساكنة و البرد ينزل بكلّ ثقله على الجدران القديمة التي تسكنها الرّطوبة.
الغرفة واسعة، السّقف عال، صنبور الماء لا يتوقّف عن نقراته المزعجة. يخيّل اليها أن البرد يصبح أشدّ بوقعها..
كمحاولة لتبديد الوقت و الملل و تنشيط العظلات، أعادت فرش الزربية، تأملت حوافها المهترئة و أخذت تحسب ذهنيا عدد المكعبات بالارضية لأجل أن تكون تمامًا فى وسط الغرفة و عن ذات المسافة من السرير و الاريكة.

أعادت تلك العمليّة مرارًا دون نتيجة مرضية. احسّت بسخط كبير يملء نفسها. ربّما لو كان احدهم يشاركها هذا البيت لكان بامكانه مساعدتها الان فى تثبيت هذه الزربيّة الغبيّة كما يجب.
ربّما لو استجابت لابتسامات جارها المتقاعد سي علي و توقّفت عن التمنع الذى لا طائل منه لما كان هذا حالها.
سي على رجل لطيف ليس كريها او فجّا، يطاردها كل يوم ثلاثاء حين تستعد لزيارة المستشفى القريب.
يطاردها من باب المقهى حتّى مسافة متر، ربّما متر و نصف عن محطّة الحافلة.
لا يمكنها ان تشكّك باناقة سي علي، هو لا يجيد تشمير اذرع قمصانه بشكل عام لكنه ليس مائعا او قليل ذوق، كلّ الوان قمصانه درجات من الازرق الغامق. طول عطفات سراويله دائما مناسبة لطوله، و ندر ان لمحت على حذائه آثار غبار. معطفه الرّمادى مرتهل بعض الشيء ما يدلّ على فقر او تقتير تعافه نفسها، لكنّ له سترة صوفيّة باثخة النعومة، تشي بذوق رفيع و ايام هانئة.
سي علي ابتسم لها مرّات عديدة، 15 مرّة. انتقل منذ أربعة اشهر تقريبا الى السكن بالعمارة المقابة. فى الاسبوع الاول لم تره. نزلة برد منعتها عن زيارة الطّبيب.
لم يحدث ان أخلف موعدا لهما، هذه اشارة كرم نفس و صبر على المحبّة، قلّما تجد هكذا صفات برجل.
حتّى طبيبها الذى يباشر على علاجها منذ اربعة سنوات و ثمانية اشهر، لا يحفظ اسمها كما ينبغي، يحدث ان يناديها فطيمة. كانت توبّخه فى اول علاقتها به، ثم ما لبث أن استسلمت لطباعه الفضّة الخشنة. اي قلّة ذوق ان يسهو رجل عن حفظ اسم امرأة بعينها! و اي استهتار ان لا تسع ذاكرة طبيب اسامى مرضاه و تاريخ حياتاتهم..!!

زفرت ببطأ، قلبها يدقّ اسرع من العادة، دقّة اثنان،اربعة.. عشرون ، سبعون، سبعون و واحد، و اثنان و مائة.
مائة دقّة فى الدقيقة، بالامس كانت تسعين. أخذت تتنفس و تعدّ زفراتها القصيرة، واحد، اثنان، ثلاثة..
يجب على القلب ان يعدّل خطوته على نسق زفراتها..
اعادت نفس التمرين اكثر من مرّة..
ثم ازاحت الغطاء من فوق رجليها و نزلت من على سريرها بطاقة متجدّدة: تلك الزربيّة يجب ان تعدّلها.
وقفت طويلا تعدّ مكعّبات الجليز جيئة و ذهابا ثمّ صمتت وسط العدّ، محاولة ان تتذكّر، فيم كانت تحتاج سي علي ؟؟

لقد اصبحت كثيرة النسيان هذه الايام. انّه البرد. و تلك الحنفيّة اللّعينة!!
تركت حافة الزربيّة و اتّجهت نحو المطبخ و هي تعدّ خطواتها فى ذهنها.. بينما يداها تفركان أطراف قدميها الممدودة فوق السّرير، حتى تدفئها..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى